تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نحـــــن .. كمنتَجــــــاتٍ منتهيـــــــة الصلاحيـــــــة!

ثقافة
الخميس 25-3-2010م
سوزان ابراهيم

الإنسان مشروع حياةٍ قيد التأسيس, يُنجَز بشكله النهائي بالموت! هكذا يصبح الموت الشكل الأمثل للحياة! وكما أن لكل مشروعٍ فترة تنفيذ, فإن لكل حياة فترة تنفيذ, يغدو بعدها المشروع بناء أو صرحاً مكتملاً ولكن..

بالموت! يصير الموت الوجه الآخر للحياة, كما أن الليل هو الوجه الآخر للنهار, هنا يخطر لي أن أقارن سؤال: ماذا بعد الليل والنهار؟ بسؤال: ماذا بعد الحياة والموت؟‏

من هذا المنطلق يمكنني القول: نحن كائنات زمنية مؤقتة, أو نحن قنابل زمنية مؤقتة, تنفجر وفقاً لساعة ضُبطت مسبقاً, فإما أن تنفجر ذاتياً مع انتهاء الوقت المحدد, أو أن يجبرها على ذلك طارئ خارج عن إرادتها! أو أنه تواطؤ سري بين المنتِج والمنتَج!‏

هل بوسعي حقاً الاعتقاد بأننا معلبات إنسانية لكل منها تاريخ صلاحية, إن تجاوزت تلك الفترة تفسد, وتصبح ضارة, فماذا عن وجود معلبات فاسدة تمارس الحياة! أهي معلبات فسدت نتيجة التخزين في شروط غير صحية وغير صحيحة؟! بعضنا يلجأ إلى نزع لصاقة تاريخ الانتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية, ويضع بدلاً عنها لصاقة بمعطيات (تاريخية) جديدة! بعضنا مازال فاسداً رغم التاريخ الجديد لصلاحيته!‏

* * *‏

ثمة طريقتان للصناعة حسب معلوماتي غير المكتملة بعد: الطريقة اليدوية والطريقة الآلية. في عالمنا العربي ما زالت صناعة الإنسان تتبع الطرق التقليدية القديمة, فتأتي بالمادة الإنسانية الأولية الخام, وتعرضها للهيب كور الحداد, وحين تصبح لينة مطواعة, توضع على سندان كبير, لتتلقى سيل المطارق, فتعطيها الشكل المراد, وحسب الوصفة العربية الأصيلة.‏

لا أدري ما عدد (المعامل) الآلية الحديثة في عالمنا العربي التي تتبنى التقنيات الجديدة في صناعة (المنتجات الإنسانية) لكنها في نهاية المطاف تُورّد منتجاتٍ تحمل شعار معاملها العربية التي مافتئت, رغم كل التقنيات, تنتج نماذج الماضي بأشكال وألوان حديثة, وما زالت الكليشيهات والتصاميم القديمة تحتل ذهنية الأرباب – أصحاب المصانع.‏

تخيلت كائناً إنسانياً فطرياً ينمو في البيئة اللامحدودة, لا يملك فترة صلاحية محددة, لم يعاير أحد زمنه, لم يعلمه أحد أسماء الجهات فلا فرق عنده بين فوق وتحت, لأن المكان يتحدد به, و لا يتحدد هو بالمكان! تخيلته قادراً على فهم وتحليل كل شيء في الكون حوله بكل الحرية, فما زالت روحه ملكه لا ملك قوانين وأعراف, يعرف أن الجاذبية ليست في القشرة الأرضية التي تجذبه إليها, بل هي في وعيه, فإذا بها تنجذب إليه, لذا فهو لا يبحث عن خلاص ولا ينتظره, لأنه المخلّص! يدرك أنه المركز لا الأطراف, يدور الكون حوله, ولا يدور حول الكون!‏

إن كنت ترفض ذلك, فقلْ لي إذاً.. خارج وعينا الإنساني ماذا يوجد؟! من أين تأخذ أشياء الكون قيمتها, إن لم يكن منّا نحن؟ من يعبأ بقوس قزح, بأزهار البراري, بالفصول, بالمغامرة, بالاكتشاف, بالليل والنهار... من يعي ذاك الجمال غيرنا؟‏

نحن إذاً مشاريع حياة لم تكتمل بعد, أي ما زال بمقدورنا أن نفعل قبل اكتمال دورة الحياة, وقبل أن تعض أفعى عشتار على ذيلها لتغلق الدائرة!‏

قلْ لي: ما الفرق بين من يصرخ من ألم ينتهكه, وبين من يصرخ من ضوء ينغرز في عينيه؟! أي الألمين تختار لو كان لك أن تفعل؟‏

قل لي: كم عدد مرات الاختيار في مشروع حياتك غير المنجز بعد؟‏

قل لي: هل الانتحار اختيار حرية؟ أم حرية اختيار؟ أم إسراع في الإنجاز؟‏

ثم قل لي: لماذا نصر على إثارة الزوابع, مع علمنا الأكيد أن دفء الشمس أقدر على جعلنا نخلع العباءة بكل طواعية؟‏

* * *‏

وفقاً لطريقتنا في الصناعة التقليدية, ننتج (معلبات زمنية) مهذبةً, فنحن بطبيعتنا قوم مهذبون جداً, نجيد خفض النظر, وخفض الصوتً, وخفض الرأس! ونلثم اليد التي لا نرغب مطلقاً في كسرها رغم عبثها بنا! ثم إننا مخلوقات لطيفة للغاية, نحسن وفادة (الضيوف) ومستعدون لذبح أطفالنا, وتقديمهم على موائدنا خشية إلحاق العار بسمعتنا الطيبة, وقد ندني رقابنا وظهورنا من الأرض كي يعتليها الضيوف الطارئون- وما أكثرهم –!!‏

لا يسأل العربي ضيفه عن حاجته قبل مضي أيام ثلاثة, ومع الزمن استطالت مدة الضيافة, وبات العربي لا يسأل أحداً دخل خيمته عن السبب, فصار بعض الضيوفٍ أصحاب البيوت!‏

أما الإنجاز العربي غير المسبوق, فهو قدرة هؤلاء الأقوام على إعادة تدوير الماضي والاستفادة منه – إذ يبدو ماضينا أشبه بالمركبات البلاستيكية غير القابلة للتحلل والتلاشي – لقد فتحوا منذ أمد بعيد خطوط إنتاج تعمل على تدوير الأموات باستخدام إكسيرٍ لا يعلم سره إلا شيوخهم وملوكهم! كما أنشؤوا سوقاً للصيرفة, تمكن عبره الأموات من استبدال عملتنا بعملتهم, وتمكنوا بكل حرفية من سحب أرصدة إضافية من بنوك حياتنا ومستقبلنا.‏

قل لي: ما حجم الألم الذي يشعر به من يدرك أن الأموات بيننا أكثر حياة منا!؟‏

* * *‏

كان بوسعي أن أشبه حيوات الناس بقناديل في خزانِ كلٍّ منها كمية معينة من الزيت أو الوقود, تختلف بين هذا وذاك, يخفت ضوء هذه القناديل تدريجياً ثم يتلاشى تبعاً لنسبة الاحتراق, ومعدل نفاد الوقود, لكن الواقع لا يشجع على تشبيه كهذا, فوقودنا ما زال ينير عتمات الآخرين ويمزق ضوءنا!‏

يتميز العرب بولعهم بالتقعيد (من قاعدة) وهذا ضروري, لنعلم وظائف الفعل والفاعل والمفعول به, وأيها المرفوع وأيها المنصوب, لكن العرب نسوا أو تناسوا, أو فقدوا الاهتمام بالفعل والفاعل والمفعول به خارج نطاق القواعد, فحشرونا فيها, ونحن – أي الحياة - أسبق بالوجود على أي قاعدة. أرى أن مغناطيساً هائل القوة جذب كل طاقة الأفعال إليه واحتجزها! أو أننا تحولنا إلى مواد بلاستيكية خاملة, فخارج القاعدة, فقد الفعل جدواه, وفقد الفاعل أهمية قيامه بالفعل, وتحول إلى مجرد اسم مرفوع دوماً.‏

suzani@aloola.sy

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية