وكان هذا العقد قاسياً على الورقة الخضراء في أسواق الصرف، ففي 31 كانون الأول 1999 كان سعر اليورو يعادل سعر الدولار تقريباً، وبعد عشر سنوات أصبح اليورو يساوي 1.43 دولاراً أي إن قيمة العملة الأميركية انخفضت أكثر من ثلاثين في المئة.
وهناك آراء متفاوتة في مقاربتها لتحليل ضعف الدولار وتراجعه، فبينما يرى بعض الخبراء أن الإدارة الأميركية السابقة في عهد جورج بوش الابن هي التي أسهمت في إضعاف الدولار بنسبة بلغت 30 في المئة بهدف تشجيع الصادرات الأميركية ومعالجة مشكلات عجز الموازنة والميزان التجاري. في حين يعزو قسم آخر من الخبراء إلى ضعف وتراجع الدولار لأسباب هيكلية تتعلق بطبيعة الاقتصاد الأميركي.
ومن هذه الأسباب تفاقم العجز في الموازنة الأميركية الذي قارب تريليوني دولار عام 2009، وذلك بسبب التكاليف الباهظة التي أنفقتها الولايات المتحدة الأميركية في الحروب في أفغانستان والعراق، وفي الحرب على الإرهاب، أما السبب الثاني، فيكمن في تحول الولايات المتحدة الأميركية من أكبر دولة دائنة إلى أكبر دولة مديونة في العالم، حيث تضاعف حجم الدين الأميركي مرة ونصف خلال الخمس سنوات الأخيرة، إذ بلغ في نهاية سنة 2008 نحو 11 تريليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
لاشك أن هذا الوضع، قد يجعل الدول المنتجة والمصدرة للنفط ترفض بيع بترولها في المستقبل بعملة قيمتها الشرائية غير مضمونة في إشارة إلى الدولار، وانطلاقاً من هذه التوجهات عقدت عدة لقاءات سرية بين وزراء مالية وحكام المصارف المركزية في كل من روسيا والصين واليابان والبرازيل لتبني نظام جديد في التعامل لا يعتمد على الدولار لتقييم سعر برميل النفط، إذ ستسهم الخطط التي تم التأكيد عليها من قبل مصادر مصرفية في دول الخليج والصين في هونغ كونغ في إيضاح أسباب الارتفاع المفاجئ في أسعار الذهب والذي من شأنه التنبؤ بحدوث تحولات غير اعتيادية عن أسواق الدولار خلال الأعوام التسعة القادمة.
وتريد الولايات المتحدة مجدداً ممارسة الضغوطات على الصين من أجل تعويم عملتها الوطنية «اليوان»، التي تعتبر بخسة القيمة بالقياس للدولار، بيد أن اللحظة التاريخية لم تكن مناسبة، فالصين تمول قسماً كبيراً من الديون الأميركية بما أنها اشترت بما قيمته 800 مليار دولار من السندات الأميركية.
لقد غيرت الأزمة الاقتصادية العالمية المعطيات في العلاقات الأميركية - الصينية.
فالصين التي تركت عملتها الوطنية «اليوان» تربح ما قيمته 15 في المئة أمام الدولار، من سنة 2005 ولغاية 2008، من خلال توسيع هوامش التقلبات المسموحة في المعدل الثابت الذي يربطها بالدولار، عادت في صيف سنة 2008 إلى نظام أكثر صرامة، في سبيل المحافظة على قدرتها التنافسية.
وظل «اليوان» من دون تغيير أمام الدولار، وإن كان فقد قيمته بنحو 15 في المئة أمام اليورو، وهي عبارة عن تخفيض قيمة للعملة الصينية مقنعة، دفعت ثمنها أوروبا، الشريك التجاري الأول في العالم للصين، متقدمة على الولايات المتحدة.
بيد أن هذه الهدنة بين الدولار واليوان، هي عبارة عن معاهدة تلتزم الولايات المتحدة بموجبها ببذل جهد كبير في سبيل تخفيض عجزها في الميزان التجاري، وتجنب دائني الولايات المتحدة، ولاسيما الصين التي تمتلك القسم الأكبر في العالم من الاحتياطات الدولارية (2200 مليار دولار)، من التخلي عن الدولار ومنع انهياره في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها الولايات المتحدة.
رغم أن الصين تقدمت منذ ربيع عام 2009 باقتراحات جادة لاتخاذ عملة للاحتياطي تكون منافسة للدولار، فإنه مع ذلك لا يمكن للصين أن تطرح عملتها «اليوان» كبديل عن الدولار في الوقت الراهن، لأن العملة الصينية غير قابلة للتحويل أولاًَ، ولأن أكبر احتياطي للصين موجود بالدولار (2400 مليار دولار أو ما يعادل 1800 مليار يورو)، والحال هذه، فإن أي تغيير سيتسبب في هزة اقتصادية وسياسية عنيفة، إذ اهتز عرش الدولار ثانياً. وتشهد العلاقات الصينية - الأميركية توترات حقيقية في الفترة الأخيرة، نتيجة سلسلة من الخلافات بين البلدين، آخرها بيع الأسلحة الأميركية إلى تايوان. والحرية على الانترنت، فضلاً عن الانتقادات الأميركية للصين في شأن سعر صرف العملة الصينية «اليوان».
ويرى الشركاء التجاريون الغربيون للصين أن سعر صرف «اليوان» هو أدنى بكثير من قيمته الفعلية، وهو ما يعزز الصادرات الصينية بخفض أسعارها على نحو مفتعل. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخراً: إن «إحدى الصعوبات التي يترتب علينا معالجتها على الصعيد الدولي تتمثل في سعر صرف العملات».
وبالمقابل تعتقد السلطات الصينية أن الاتهامات الأميركية ليست مبنية على أساس صحيح لأن سعر صرف «اليوان» ليس هو السبب الرئيس في العجز الأميركي، وتتمسك الصين بالتحكم بسعر صرف عملتها، رافضة المجازفة برفعه إرضاء لمطالب شركائها التجاريين.
ومنذ نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى تراجع صادراتها تبرز الصين أهمية الحفاظ على «يوان مستقر» سواء بالنسبة إلى اقتصادها أم بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، مؤكدة تالياً دورها في إنعاش الاقتصاد العالمي.
لكن المحللين يتوقعون رفع سعر «اليوان» على نحو تدريجي ومضبوط خلال 2010 وعلى رغم تراجعه بنسبة من 34 في المئة خلال سنة، وصل الفائض التجاري الصيني العام الماضي إلى 196 مليار دولار، الأمر الذي يثير استياء شركاء الصين الذين يحتجون أيضاً على عدم فتح الصين بعض أسواقها مثل أسواق المال والخدمات.
كاتب تونسي