وهي قائمة طويلة محل طلب إسرائيلي مسبق باستبعادها من الخطاب الفلسطيني قبل التوجه إلى مفاوضات في أي مستوى.
ومن التعسف حصر هذه الصفاقة الإسرائيلية في دائرة الإذلال، وإن كانت لا تخلو منه. لكن المؤكد أن هذا شكل من أشكال إدارة الصراع، إنما تستمرئه «إسرائيل» بتحريض من مصدرين:
أولهما: يقينها المتحصل من كيفية إدارة المفاوض الفلسطيني لمستجدات الموقف.
ثانيهما: يقينها المتحصل كذلك من الاحتضان الإجرائي الأميركي لعنجهيتها، بالغة ما بلغت من صفاقة مشفوعة بإهانة مفاوضها وإذلاله.
إذ إن الذي حدث، في اختصار، هو أن نتنياهو استقوى بالتغطية الرسمية العربية لازدراد سلطة رام الله شرط إيقاف بناء المستعمرات قبل التفاوض المسمى استحياء «غير مباشر» (...)، فأشهر الإعلان عن بناء 1600 وحدة استعمارية، و112 في القدس المحتلة، متى؟ أثناء وجود نائب الرئيس الأميركي في ضيافته، وبعد النطق بكلمة السر في العلاقة البنيوية الناظمة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وهي أن «إسرائيل» هذه «إسرائيلنا»، وحين يتعلق الأمر بأمن «إسرائيل» فإن الولايات المتحدة لا تتحفظ على أي تدبير، فإذا عطفنا هذه الـ «إسرائيلنا» في نطق بايدن على «العروة الوثقى» في نطق الرئيس أوباما في كلمته في القاهرة 4 حزيران الماضي، نستطيع الإمساك بمفتاح المشهد الراهن وما يتخلله من استقواء إسرائيلي مقترن بإذلال الذين محضوا الغطاء لازدراد سلطة رام الله شرط إيقاف بناء المستعمرات لاستئنافها التفاوضي العلني.
الرئيس أوباما كان قد خاطب مستمعيه:
«لا يظن أحد أن العروة الوثقى بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» يمكن أن تنفصم»، وها هو نائب الرئيس بايدن يجدد: «هذه إسرائيلنا».
ولأن الغطاء العربي الممنوح في 3/3 لسلطة رام الله كان امتثالاً عربياً (تستثنى منه سورية) لأوامر أميركية، فقد امتلك نتنياهو ما يكفي من أسباب لممارسة الصفاقة في إذلال مفاوضه الفلسطيني في 9/3.
وفي مقدمة هذه الأسباب أن القدم التي تزل مرة في مهوى التفريط، لامستقر لها بعدئذٍ.
والشاهد أن المفاوض الفلسطيني في ذروة «الدقرة» من الإجراء الإسرائيلي لم يسمّ الأشياء بأسمائها، وإنما تحدث عن اندفاعة بناء مستعمرات في «الأرض الفلسطينية» من دون أن يصف هذه «الأرض الفلسطينية» بأنها محتلة! لأن اتفاق أوسلو يجب ما قبله.
والاتفاق المذكور محا توصيف هذه الأرض بأنها محتلة، وأسس التوصيف «متنازع عليها»!.
ولذلك خلا خطاب بايدن، نائب رئيس أميركا ذات العضوية في مجلس الأمن، والموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة 1949، من إدانة الإجراء الإسرائيلي الصفيق، واقتصر على إبراز مسألة «الثقة» بين المتفاوضين الإسرائيلي والفلسطيني على ما هو «متنازع عليه».
ومن المألوف أن يتسع مضمار التفاوض للهبوط والصعود في الثقة المتبادلة فهذا معطى سايكولوجي شخصاني لحظي، مقطوع الصلة بضوابط الشرعية الدولية وفيها اتفاقية جنيف الرابعة 1949، التي استبعدها اتفاق أوسلو من أن تكون مرجعية تفاوض لمصلحة حضور مرجعية أوسلو وحيدة في انتظام الأداء السياسي للطرفين.
تأسيساً على ما أشاعته همروجة «الدقرة» الفلسطينية في شأن الاندفاعة الإسرائيلية المتجددة لبناء المستعمرات وما يتصل منها بتهويد القدس المحتلة، ولأن القمة العربية على الأبواب، فإن السؤال البالغ الراهنية والإلحاح، ماذا بعد تلاشي هذه الهمروجة؟ وهل يستخلص وزراء خارجية دول لجنة متابعة مبادرة السلام العربية ما يجب من تحفظ سورية على التفويض الذي أعطوه لسلطة رام الله لتغطية قرارها المتخذ بالتفاوض حتى مع تكثيف حركة بناء المستعمرات؟
إن إجابة هذه الأسئلة تستوجب تدقيق الجدوى في مسألتين:
أولاهما: جدوى الجري في الملعب الأميركي.
ثانيهما: حدود التضاد والتطابق بين القرار الفلسطيني المستقل «وبين الالتزام القومي».
ذلك أن أمن «إسرائيل» جزء لا يتجزأ من أمن أميركا هم في واشنطن ومنذ «التصريح الثلاثي» 1950 وحتى بايدن أمام نتنياهو، يعلنونه.
وفي مخرجات هذه الوحدة الأمنية، تقع أبلسة واشنطن في التهرب من المسؤولية أمام القانون الدولي حيال الخرق الإسرائيلي لاتفاقية جنيف الرابعة، ببناء المستعمرات وبتهويد القدس والخليل وبانتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك.
وفي مخرجات هذه الوحدة الأمنية، تتوالى في الحياة السياسية العربية مندرجات استرضاء أميركا، ليس وحسب في شرعنة عربية لـ«فرصة أخيرة» في مفاوضات لـ 4 أشهر بل بإعادة إنتاج خطاب «إسرائيل» في لبنان ضد حزب الله، وفي أصقاع عدة ضد إيران.
فأي جدوى لهذا المشي على الإيقاع الأميركي؟!
ثم إن فلسفة القرار الفلسطيني المستقل، التي قادت إلى اتفاق أوسلو من وراء ظهر العرب، وبشكل خاص من وراء ظهر سورية ولبنان والمفاوض الفلسطيني بالذات على المسار المنبثق عن مؤتمر مدريد بقيادة المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي، هذه الفلسفة قد بلغت الانسداد السياسي بقرينة احتياج مهندسيها إلى التغطية العربية، باستنهاض الالتزام القومي الذي تجاوزوه في الماضي القريب، وبقرينة الشرخ المائل في العمل الوطني الفلسطيني.
وما يستوجب التدقيق حيال هذه الفلسفة هو تعيين الحدود التي لا يفتت بها «قرار مستقل» على العمل العربي المشترك. وكذلك الحدود التي لا يصح معها تخطي الالتزام القومي لأي سبب قطري.
وذلك كله لأن القمة العربية على الأبواب.
Siwan.ali@gmail.com