|
صيف مفتوح على الاحتمالات شؤون سياسية من الأصدقاء قبل سواهم، من بريطانيا إلى أستراليا، ومن الداخل إلى (أذربيجان) ومن هناك إلى روسيا البيضاء، لاتغطيها تصريحات ورسائل مبطنة، مباشرة كانت أم غير مباشرة، بعدم وجود نيات عدوانية تهز يومياً مراكز السلطة المهزوزة في تل أبيب. بل تذكرنا الأجواء اليوم بتلك التي سبقت عدوان حزيران عام 1967- وإن اقتصرت على زاوية الدعوة (لالتقاط الأنفاس)- وقد تكون هذه الزاوية هي التشابه الوحيد بين الحالتين، ذلك أن الواقع اليوم ليس كما كان في عام 1967 بأي حال، وبصرف النظر عن المستجدات والطوارئ والمتغيرات فإن الوضع في الداخل الصهيوني أسوأ بكثير مما يعتقد كثير من الصهاينة وكثير من (المتحسبين) من هجمات مباغتة- محدودة، أو من حرب واسعة- في جبهات متعددة. مانشرته (الغارديان) البريطانية بشأن عرض بيريز تقديم- أو بيع- أسلحة نووية (صواريخ مزودة برؤوس نووية) لحكومة الفصل العنصري، البائدة، في جنوب إفريقيا عام 1975 قد تحمل مدلولات كثيرة في هذا الظرف: فهي إن كانت مجرد إضافة (نوعية) إلى صيغة صهيونية تغلف مسألة الأسلحة النووية بستار، ليس من الكتمان، بل من الضبابية والتعتيم والغموض، لكنها أيضاً محاولة لإثارة الهلع فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، وزرع الطمأنينة صهيونياً، في الحالتين المسألة تدور في غابة متشابكة وسماء ملبدة في الوقت عينه، الحقيقة إن الأخبار (التي صاحبتها وثائق)- بالرغم من تكذيب الكذابين في تل أبيب- صحيحة، ولكنها ليست مفاجئة لنا، فنحن كنا على ثقة دائماً أن الكيان العنصري للمحتلين في فلسطين يمتلك هذه الرؤوس لكننا كنا أيضاً على ثقة تامة أنها لاتخيفنا فليس من منطق يحكم ساسة تجمعوا على الباطل ليهتفوا في النهاية (علي وعلى أعدائي) ذلك أن الرعب هو الدافع للتمسك بما يقال إنها أسلحة (الحسم)، وليس استخدامها بمسألة بسيطة ولا مأمونة- إن كانت النية متجهة لإخافتنا- فنحن لن نفنى (من كثرة الخوف)- وهم وحدهم من ينبغي له أن يخافوا إلى حد الرعب من مغبة امتلاك الأسلحة النووية أو أسلحة التدمير الشامل، لأن خلاصهم الفعلي يكمن فقط في التخلص منها إن كانوا يمتلكونها أو أن يعلنوا استعدادهم الصادق الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي لجعل منطقتنا خالية من أسلحة الدمار الشامل من جهة والتخلي طواعية عن كل شبر من الأرض العربية تم احتلالها في العام 1967- بما في ذلك القدس والجولان وأجزاء من الجنوب اللبناني من جهة ثانية. وإذا كنا نتحسب- فنحن نفعل ذلك من باب فهمنا طبيعة عدونا، وأخلاقياته، وإيديولوجيته العنصرية التي جعلته يتطابق ويندمج ويتماهى مع حكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، دون أن يدري، أو ربما يدري، إن النهاية واحدة للطرفين- أجاءت سريعة كما حدث لحكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أم تأخرت قليلاً بفعل عوامل خارجة عن الإطار التاريخي بالنسبة للمحتلين الصهاينة. إن كثرة وتعدد وتنوع التمارين والمناورات العسكرية الداخلية وعلى الحدود التي قام بها ويقوم بها المحتلون منذ هزيمتهم الساحقة في صيف 2006 وما تبعها من خيبة وخذلان عدوانهم في نهاية 2008 وبداية 2009 لاتعني أنهم فقط يحاولون الاستعداد لـ (درء) خطر خارجي ممكن، أو أنهم يحاكون حالة تعرضهم لهجمات صاروخية من جبهات متعددة في وقت واحد، بل هم في حقيقة الأمر يسعون إلى عدة أهداف في وقت واحد، منها إخافتنا ومنها إثارة العالم علينا وإعادة تصوير (إسرائيل) بأنها الحمل الوديع المسالم في خضم بحر من الأعداء المتربصين، ومنها أيضاً التعتيم على ثورة الإنسانية المشتعلة بحراً اليوم ضد همجية الاحتلال وإجرام المحتلين المتعمد بحق أكثر من مليون ونصف المليون من أهلنا المحاصرين في القطاع، وصرف الأنظار عن تقرير غولدستون، وأيضاً محاولة استثارة عواصف تعمي العيون عن ممارساتهم العدائية الصارخة حتى حيال أصدقائهم وحماتهم ورعاتهم في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وسواها من دول تعتبر نفسها في حال صداقة مع حفنة من العنصريين عديمي الأخلاق والعدوانيين حتى النخاع. صيف ملتهب، ربما سيكون كذلك، ولكن المؤكد أن أي قدحة زناد من تل أبيب لإشعال فتيل النار لن تؤدي في النهاية إلى إزالة (عقدة الخوف وفقدان الثقة بالنفس والمستقبل في داخل المحتلين العنصريين المهزومين في فلسطين المحتلة) بل ربما جاءت النتائج معاكسة تماماً لتلك التي كانت نتيجة عدوان حزيران عام 1967.
|