وتبين خلال قمتي الأمم المتحدة و واشنطن وغيرهما، بأن هذه المسألة ستبقى على نفس القدر من الأهمية في المدى المنظور، وفي الحقيقة لم يسبق أن اتفق على عالم خال من الأسلحة النووية، كما شهد عام 2010 بين الولايات المتحدة وروسيا، ما يوحي بأن مثل هذا الأمل بات ممكن التحقيق.
ولكن حتى لو تم التوافق على هذه الفكرة من قبل جميع الدول إلا أنه لايتعين على أحد أن يستسلم للأوهام، لأنه فيما إذا اتفقت جميع دول العالم على بناء عالم خال من السلاح النووي فإن التوصل إلى هذا العالم لن يكون قريباً، وستبقى ثمة أسلحة نووية معدة لاتقل عن عقدين من الزمن أو أكثر، ولكن الأكثر أهمية الآن انتزاع التهديد بحدوث صراع نووي، وهذا أيضاً ليس بهذه البساطة.
وأظهر مؤتمر مراجعة معاهدة انتشار السلاح النووي، أنه يتعين منع انتشاره بأي شكل من الأشكال ولكن تحقيق ذلك لايزال متعثراً نظراً لامتلاك دول لهذا السلاح، قد تهدد باستخدامه في حالات الصراع الشديدة العداوة لذلك من المفترض أن يقترن العمل لمنع انتشار السلاح النووي، مع النشاط الحثيث لنزعه من بين أيدي من يهدد باستخدامه وهذه المسألة شديدة التعقيد أيضاً.
بالطبع الهواجس الغربية والأميركية المفرطة الحساسية تجاه البرنامج النووي الإيراني والكوري الديمقراطي تتطلب النظر إلى المسألة بشمولية أوسع، فمن المتعثر انتزاع موافقة أي دولة على نزع سلاحها النووي إذا كانت تشعر بخطر ما يهددها، وهذا السبب يمنح مشروعية العمل من أجل عالم خال من السلاح النووي ومن التهديد باستخدامه ضد أي دولة أخرى.
فالردع النووي سيظل قائماً إلى أن يتم تفكيك آخر سلاح نووي من ترسانات جميع الدول المالكه له، صحيح أن اتفاقية «سالت - ح» بين الرئيسين مدفيديف وأوباما، والقاضية بخفض الترسانة النووية الاستراتيجية في كل من الولايات المتحدة وروسيا إلى 1550 سلاحاً نووياً لكل منهما، وهو مايزيد على الألف التي اقترحها أوباما لكلا الطرفين.
ولكنها تعتبر خطوة كبيرة قد تؤدي إلى مزيد من التخفيض في حال توفرت النوايا الطيبة، رغم أن الحكم لايمكن أن يبنى على هذه النوايا بل على الوقائع، فالإسراع في إنجاز خطوات جديدة بتقليص الأسلحة الاستراتيجية النووية، يتطلب الشفافية والالتزام بعدم الإقدام على أي خطوة من شأنها أن تهدد الطرف الآخر، ولهذا لم يكن مفهوماً بالنسبة لروسيا، كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقرر نشر صواريخ باتريوت وغيرها في بولندا، بعد أن أعلن أوباما تجميد نشر الدرع الصاروخي في أوروبا، الذي كان ولايزال يقلق روسيا وحلفاءها؟ فمثل هذه الخطوات لن تساعد على نجاح الأمل بعالم خال من الأسلحة النووية.
من الواضح أن الطريق إلى نزع السلاح النووي على المستوى العالمي سيكون طويلاً ووعراً، لأسباب متعددة أهمها سلامة النوايا السياسية وعدم التفوق الملحوظ في الأسلحة التقليدية وكذلك الجوانب الفنية، إذ إن صعوبات غير قليلة متصلة بتفكيك وتدمير الأسلحة النووية، فالقدرة محدودة على التفكيك فالحالية لاتتجاوز الـ 500 سلاح نووي سنوياً في كل من روسيا والولايات المتحدة، وهذا يعني وفق كمية الأسلحة الموجودة في ترسانات الدولتين، ستحتاج إلى نزع أسلحتهما بحلول عام 2025، والنزع الشامل قد يمتد إلى 2028.
وحسب تقدير الخبراء فإن الزمن المحدد عام 2025 يهدف إلى تخفيض المخزون من الأسلحة النووية على المستوى العالمي إلى 2000فقط، أي أقل من 10 بالمئة من إجمالي الأسلحة النووية اليوم.
يوجد الآن نحو 23 ألف سلاح نووي في العالم، وهو عدد أقل بنحو 40 ألفاً مما كان أثناء مايسمى الحرب الباردة، والقدرة التدميرية لهذه الأسلحة مجتمعة تعادل قوة مئة وخمسين ألف قنبلة نووية كالتي ألقيت في هيروشيما عام 1945 وإذا ما استخدم جزء من هذه الأسلحة الفتاكة، فإنها قادرة على تدمير الحضارة الإنسانية بأكملها.
لذلك لابد من العمل للوقوف إلى جانب ماتطمح إليه روسيا والولايات المتحدة الوصول إلى عالم خال من السلاح النووي، دون أن تبقى دولة قادرة على تهديد دول أخرى بأسلحة متفوقة ولو كانت تقليدية.
تمتلك أميركا وفرنسا والصين وبريطانيا، وهي دول موقعة على معاهدة منع الانتشار النووي إلى جانب روسيا نحو تسعة أعشار الأسلحة النووية الموجودة في العالم، في حين تمتلك الهند وباكستان وإسرائيل نحو ألف سلاح نووي، وقد تكون كوريا الديمقراطية مالكة لعدد محدود من السلاح النووي، ومن غير المعروف تماماً، هل تسعى إيران لامتلاك هذا السلاح؟ علماً أنها تعلن عدم وجود نوايا لديها لامتلاكه.
صحيح أن السلاح النووي، استخدم كسلاح للردع وخاصة في أوروبا وقد ساعد ذلك على الحفاظ على السلام خلال عشرات السنين، وساعد على منع الانتشار النووي.
لذلك فإن تحقيق حلم عالم دون سلاح نووي، يقتضي الكف عن التفكير بالاستمرار في انتهاج سياسة سباق التسلح أو التهديد وحل المشكلات الدولية بالطرق الدبلوماسية والحوار البناء وعدم الاعتداء، وهذا حلم البشرية القديم المتجدد دائماً!
بقلم : قسطنطين بغدانوف