تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المشهد المجو ّف .. زمن صراع الإرادات والخيارات

شؤون سياسية
الخميس 14/6/2007
د.أحمد الحاج علي

ما أشبه اليوم بالبارحة والأعوام الأربعون مررنا بها وهي ساكنة متثائبة حتى لتبدو وكأنها غير مكترثة بكل مواكب الألم وبكل الجموع المتناثرة الهائمة كالقطعان الموزعة على الجغرافيا والمناخات من البحر إلى النهر ومن الجبال إلى الصحارى ومن التاريخ المعلوم إلى المستقبل المجهول ونذكر يومها كيف تهيأت للعدو الصهيوني كل الظروف السلسة ليكيد بليل وليدبر فصول المجزرة, فإذا الأمة مهزومة بكاملها واذا الأرض أسيرة بكاملها.

كان الواقع العربي شرطا للهزيمة وكان الغدر الأميركي الغربي رافعة لإحداث الجريمة وكان العالم المتفرج شاهدا منهكا لم يخرجه من الصمت والتثاقل سوى تلك الغواية عند الكيان الإسرائيلي وهو يقتل بنهم وسادية ويتجاهل العالم بكثير من الصلف والسخرية, الآن تعود تلك النغمة الإسرائيلية للظهور من جديد, إنهم في الكيان الصهيوني يضعون الحسابات في الاحتمالات ويرصدون الاحتمالات في مناخ الاضطراب والضياع, وهاهم يقولون إنه لابد من الحيطة والحذر فسورية لايؤمن جانبها بالنسبة لهم وقد أجرت تطويرا لوجستيا على تسليحها وتدريبها العسكري, وهذا أمر لا يحتمل بالنسبة لإسرائيل إن في الحقيقة أو في الظاهر, ثم يعلنون على لسان وزير دفاعهم عامير بيرتس ذي الأصول المغاربية أنهم يحتسبون عنصر المفاجأة وإمكانية الخطأ في أية لحظة ولابد من سد كل هذه الذرائع وتهيئة كل الوسائل والسبل للرد على سورية ولاسيما في أجواء الشهور الحارة القادمة, وتتوزع تهديدات الكيان الصهيوني على عناوين بذاتها اساسها استعادة صيغة القوة في الكيان واسترجاع مقومات التهديد فيه بعد حروب وأحداث مضت, قاعدتها حرب تشرين في العام 1973 وموسمها الأول هزيمة إجبارية للجيش الإسرائيلي في العام 2000 وموعدها الأخطر انتصار المقاومة على العسكرية الإسرائيلية بآلتها وأسلوبها وجيشها وحالتها النفسية المتعجرفة والمتآكلة, ثم يأتي العنوان الآخر وهم يرون أن سورية تستجمع حضورها المعروف وتستنهض مكامن القوة الخصبة في بنيانها وتستثمر مشروعية الحق الذي غيب طويلا وطال انتظاره, وجاءت لحظة انبعاثه بصورة وطيدة وبمنطق متكامل يجمع ما بين السياسة والبندقية وينظم ما بين الأفكار والتحولات ويعرف كيف يبقي الأفق مفتوحا مع الواقع العربي المخترق ومع تيار العالم المحجوز لصالح أباطرة العصر كما تمثلهم واشنطن وكما ينطق باسمهم جورج بوش الابن وطوني بلير ( ولد العم) وآخرون اصطفوا في الجوقة وعلقوا النياشين وعزفت لهم الموسيقى وأخذهم المشهد المصنوع إلى نقطة الهوس ويباس الوجدان ولم يجدوا ما يتحدثون عليه سوى تهديد العالم بفقرائه ومنكوبيه وتوصيل رسالة للعرب بأن ( شلة) الأباطرة هذه موكلة بتوفير الأمن وتأمين الرفاهية للكيان الصهيوني وجاهزة للانقضاض على العرب مع إسرائيل أو بدونها اذا استدعت الظروف ذلك, ومن هذه العناوين التي يأخذ بها كيان العدو الآن أو لربما تأخذ هي هذا الكيان, هذا التناثر العربي, هذه الحالة من تبديل المعايير بحيث اصبح العدو صديقا وانتهت فكرة الأمة الواحدة ومطالب المصير الواحد, انهم يدققون بكثافة في الحال العربي ولايشبعهم ما أحدثوه من اختراقات, ومازال هناك من يقلقهم وبعض المواقع العربية مازالت تحتفظ بالجذر الحي والبذرة القابلة للتمرد على القيد والخوف وحسابات السياسة والتكنولوجيا والكم المهمل, في هذا العنوان يصوغون فقرة جديدة من شأنها هذه المرة ان تتعاطى مع سورية مباشرة وأن تؤخذ كل الحسابات والخيارات على أساس طبيعة الموقف السياسي السوري ومنطق النظام السياسي فيه وقبل هذا وذاك درجة الإعداد والاستعداد التي تنتظم الحياة العملية لسورية في هذه المرحلة والعدو الصهيوني عودنا على اكتشاف منطقه وخداعه ولم يستوعب الفكرة العفوية بأن الجراح المتكاثرة والهزائم المتكررة قد تغري العدو بالاستمرار ولكنها تحفز المظلوم وصاحب الحق والوارث للمسؤولية لكي يتخلص من القيد وينهض متحديا أعباءه وعوائقه أولا ويجري الحساب على قاعدة الوجود أو الموت, الكرامة أو الهوان, إن الأسلوب الإسرائيلي في اقتناص الظرف واصطياد اللحظة خيار عفى عليه الزمن, ونزعة أكلها الصدأ ,والحياة ليست تحت سيطرة أولئك المسكونين بالجريمة, النائمين على آلام الآخرين الهائمين في أجواء الصلف والحقد والتعالي حتى لكأنهم صدقوا أنفسهم بأنهم شعب الله المختار وهم بمواصفات العصر الرديئة المتهالكة داخلهم جنون العظمة ووقعوا في لحظة الذهول, إذ يرون اطرافا عربية حاكمة تتعايش معهم, تلفق لهم الحكايات والقصص وتوقع مع رموزهم على جداول الأعمال ومحاضر الجلسات والبيانات الختامية والاتفاقات ماظهر منها وما بطن, إن هناك سيالة قائمة على أرض الواقع تحفز في الذهن الصهيوني الراهن اغراءات الشوق نحو التدمير والقتل, ويعلم كل إنسان عاقل أن الكيان الإسرائيلي ينفرط عقده وتتحلل قواعده اذا ما عاش اللحظة الطبيعية وهي التي تقوم اساسا على السلام كمبدأ أو إعادة الحق لأصحابه والإقلاع عن جنون احتقار الآخرين, إن المسألة باتت تحتاج إلى مرصد ورصد حتى لا تؤخذ التفاعلات بصيغتها السطحية أو على عواهنها دون نقد, دون تقويم, دون استخراج للمكامن, ودون التقاط لعوامل ضبط السلوك عند هذا العدو وهنا فإن لدينا فقرات ثلاث تفرض نفسها كأمر واقع هو أقوى بكثير من التستر على الحال وهو أوضح بكثير من الهروب إلى الجزر المهجورة القابعة مرة في التاريخ الذي مضى أو في وهم المستقبل الموعود.‏

> - أما الفقرة الأولى فهي هذا المشهد الجغرافي والسياسي والبشري الذي ينتظم الاقليم بكامله من كردستان العراق شرقا إلى الجولان غربا وواضح أن أميركا في الشرق وإسرائيل في الغرب وما بينهما تقع سورية بكل مكوناتها من الأرض إلى المبدأ إلى السياسة, والمشهد هذا غير مألوف تاريخيا, هناك جسم واحد موحد بذراع أميركية واخرى إسرائيلية وكان المخطط والمتوقع أن يمتد الوجود الأميركي نحو الشرق ويلاقيه الاحتلال الإسرائيلي من الغرب, كانت سورية مهددة وكانت الحسابات تقوم على أساس تقسيم منهج الاحتلال لسورية وتوزيع الزمن اللازم لذلك على شهور بسيطة بانتظار أن يأتي المولود المزعوم من داخل سورية ونزعة الاعتداء تصم الآذان وتوقع البصر والبصيرة في العمى وانحسار الرؤيا وضبابية الحسابات, في سورية هنا وطن وشعب تاريخ وحقوق والمواليد التي يبحثون عنها هي من نوع أولاد الحرام أو من صنف اللصوص الهرمين وكانت تلك هي إحدى أهم جوانب المفاجأة, لقد تجمد المشروع الأميركي الإسرائيلي من طرفيه في الموقع العربي وبصورة متدرجة أدرك الأميركان واليهود أن الاقتراب من سورية خطر للغاية ثم انكفأ الطرفان ليدركا بصورة مفزعة أن سورية هي التي تمتلك زمام المبادرة وتنشر وعيها ومشروعيتها مع الأشقاء في العراق وفلسطين كانوا يعتمدون مبدأ تصدير التناقضات ووقوع الآخر في التخبط, اكتشفوا أن سورية واعية في كل حال بل هي أكثر وعيا وأقوى إصرارا في الزمن الرديء وفي المناخ المعقد.‏

> - لم يتوقف المشهد عند هذا الجمود أو التراجع في أكثر من موقع فيه بل صارت سورية قوة مقلقة للآخر ولم تجد اساليب العزل واستحداث الفتنة في لبنان ومن هنا حدث التمرد عندهم أساسا أعني عند الأميركان واليهود انفسهم وحينما يعلن بعض مسؤوليهم بأن سورية لا تعزل وبأن باب الحوار يجب أن يبقى مفتوحا معها فلا يأتي ذلك رضوخا للحق والمنطق لديهم وإنما بدافع استبعاد الضرر والهزيمة عنهم وهم يرون أن سورية والمنطقة كلها تتطور نحو المقاومة متخطية بإيقاع ثابت حدود الممانعة أو الوقوف عند مجرد تأكيد الإرادة والمطلب, وعلى هذا النحو صار الأميركان والإسرائيليون معا يخلطون التهديد بالاعتراف ويطلقون النار ويتحدثون عن السلام معا وينفجر فيهم هوس القوة ولا ينسون أن يلقوا في البركان بعض الكلام وبعض التصريحات بأنهم مستعدون للبحث في عملية السلام, نعرفهم وصار لدينا خبرة في منسوب تفكيرهم وحيلهم وصيغة المخاتلة التي يعتمدون واساليب المكر التي صارت دمهم ونبض قلوبهم ونار اسلحتهم, انهم لم يعرفوا بعد حقيقتين: حقيقة السلام والحب والحضارة والعدل والاعتراف بالاخر وحقيقة أن سورية موئل لكل حق عربي وموقع يمتلك الاشعاع وقوة أخذ القرار ومصداقية الدخول في المعارك الكبرى.‏

> - وفي الفقرة الثالثة نتابع هذا الناتج الواقعي ليس كما نعلن نحن وإنما كما هو على أرض الواقع, إن أميركا مأزومة وإن اسرائيل مهزومة ولا يوجد من يمتلك امكانية التلاعب بهذا الأمر الواقع والقوى التي أودت بأميركا إلى الأزمة هي ذاتها التي أوردت اسرائيل مورد الهزيمة وويل للذين لا يدققون في العمق ولا يقيمون وزنا لعوامل التاريخ وأواصر القربى وصلات الرحم السياسي والأخلاقي, ومن الحال هذا نشير إلى منطق الكيان الإسرائيلي والامبريالية الأميركية في هذه الأيام, إنهم يتجرعون الكأس المرة, ويبحثون في جوف العتمة عن مخرج من المأزق لكن الواقع ليس كما يشتهون ومن باع من العرب انفق الثمن في العار والتبذير لكن الحقائق التي لا يريدها الآخرون والتي لا تغادر وطننا فرضت وجودها من جديد وتمردت سنابل القمح على الجفاف والهشيم وغدر الزمان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية