وكان من الطبيعي أن تحدث هذه التحولات أزمة في فهم الاتجاهات المتحولة في السياسة الأميركية التي ركزت على الإرهاب كعنوان عريض لأجندتها واستطاعت به تحقيق جزء كبير من مصالحها الاستراتيجية، كثيرون رؤوا أن الإدارة الأميركية عمدت إلى عولمة الأمن بعد الاقتصاد، وخاصة أن مفهوم الأمن ارتبط برؤية طبيعة إدارة الصراعات الدولية ووضع خطط الإدارة الأميركية وفق النظريات التي حاولت صياغة مفهوم الإرهاب.
وقد استطاعت الولايات المتحدة توظيف قضية الأمن القومي في حرب الإرهاب، وكان التسويق السياسي والإعلامي هما أداة الولايات المتحدة للنفاذ إلى السياسات العالمية وطريقها في حشد الرأي العام واستحصال القرارات الدولية، فالحرب الأميركية لم تفرق بين التطرف والاعتدال وتعاملت العقلية الأميركية مع الجميع على أنهم معادون للغرب ولأميركا وللحليفة الاستراتيجية إسرائيل، وقد صدَّعت هذه الحرب مثل ما سبقها العلاقات الدولية ونلمس ذلك في أمرين:
الأول: نوع من التردد والحذر من مساندة استخدام القوة العسكرية ضد أفغانستان أولاً والعراق ثانياً:
الثاني: نوع من الاتهام الضمني بأن السياسات الأميركية العالمية مسؤولة عن إثارة العداء ضد الولايات المتحدة وأن على الولايات المتحدة أن تتأنى في حساباتها وتحركاتها حفاظاً على السلام العالمي.
ونلاحظ أن الأميركيين لايخفون أجنداتهم السياسية التي حرصوا على تضمينها في حربهم على الإرهاب حيث تؤكد ألينا روما نوفسكي أن دعم الإصلاح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لايتمثل في مجرد الدعوة إلى القيم المشتركة لكنه يحقق المصالح الأميركية، منوهين إلى أن الحرب على الإرهاب أنقذت الاقتصاد الأميركي من الانهيار، وقد جرت مناقشات واسعة شاركت فيها مراكز البحث والجامعات الأميركية خاصة ولاية كاليفورنيا أكثر الولايات نصيباً في صناعة السلاح بعد مواجهة أميركا لخيار السلام بعد انتهاء الحرب الباردة، وكان أكبر مراكز البحث الأميركية تأثيراً في السياسة هو معهد بروكنز الذي حد نسبة 50٪ تخفيضاً في الإنفاق العسكري الأميركي خلال حقبة التسعينيات، واتجهت العديد من مراكز البحث لدراسة كيفية تحويل مصانع السلاح إلى الإنتاج المدني بينما اتجهت مراكز أخرى للبحث عن استراتيجية بديلة لاستراتيجية الردع الشامل شرط احتفاظ صناعة السلاح بحركتها الإنتاجية نظراً لأهمية صناعة السلاح في الاقتصاد الأميركي باعتبار أن ثمن العمال في أميركا يعملون في صناعة السلاح وأن 25٪ من الأجور تأتي من صناعة السلاح وأن الآلاف من رجال القوات المسلحة وخاصة القادة وبعد تقاعدهم يعملون في هذه المصانع ومعدل الربح في صناعة السلاح يعادل عشرة أضعاف المعدل في الصناعة المدنية ودورة رأس المال أسرع في صناعة السلاح، ما دعا إلى التفكير فيما يسمى بالحرب على الإرهاب والتي أدت بالنتيجة إلى تزايد اعتمادات ميزانية وزارة الدفاع وانتعاش الاقتصاد الأميركي.
ورغم أن الإرهاب مرفوض إلا أن تعريف الإرهاب لم يتحدد بشكل أو بصيغة وأخذ أشكالاً فضفاضة تضمن لأميركا تنفيذ أهدافها التوسعية ولاشك أن إصرار أميركا على تعميم الإرهاب يتأتى من رفضها ورفض إسرائيل تعريف هذا الإرهاب وهو ماطالبت به سورية مراراً لعقد مؤتمر دولي لتعريف مفهوم الإرهاب، لأن الاتفاق دولياً على وضع تعريف محدد للإرهاب سوف يجعل من إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل خاضعاً لذلك التعريف أو المفهوم وهو أمر لن تقبله أميركا وإسرائيل بالطبع، كما أن أميركا وعبر ممارساتها في كثير من الأحيان ستكون مشمولة هي الأخرى بتعريف الإرهاب إذا ماتم الاتفاق عليه.
من خلال ماتقدم نجد أن أميركا استطاعت توظيف الإرهاب لخدمة مصالحها الاستراتيجية وتحقيق وجود دائم في مناطق النفوذ والمصالح وخاصة الشرق الأوسط، فهي بذلك حولت مكافحة الإرهاب من هدف إلى وسيلة لتحقيق مصالحها.