لها مستلزمات وضمانات وأصول متعلقة بالمفاوضين أنفسهم، ولايحق لأحد غيرهم اتخاذ قرارات أو توصيات عنهم.
هذا هو المنطق الواقعي والصحيح، وفي الحالة المعاكسة، كما حصل في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الأعضاء في لجنة المتابعة العربية ومنحهم في الواقع الجانب الإسرائيلي وبتوصية أميركية غير بريئة، أربعة أشهر لإجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسارعت سورية لإبداء موقفها المعترض على هذه الموافقة، على لسان وزير خارجيتها السيد وليد المعلم، الذي أكد: أن مثل هذا التفويض للسلطة ليس من اختصاص لجنة مبادرة السلام العربية، التي وجدت للترويج لمبادرة السلام، وليس لإعطاء تفويض وعبر الكثير من الفصائل الفلسطينية عن رفضها لهذه الخطوة غير المسبوقة من قبل الجانب العربي واعتبرته غطاء عربياً لتمرير تراجعات وتنازلات أمام العدو الصهيوني، ومحاولة لاستباق القمة العربية القادمة وإحراجها، وإنها عملية تضليل لتمرير البرنامج العدواني الصهيوني، وتكمن خطورة هذه الموافقة، بأنها نقلت الخلافات العربية العربية من الدهاليز ومن خلف الأبواب المغلقة، إلى العلن، فالعرب على المستوى الرسمي لم يكونوا يوماً موحدين، ولكنهم دائماً يراعون تخوم مدى الخلافات ومستوى التوافقات، وحتى من له علاقات خاصة مع العدو الصهيوني، لم يجرؤ يوماً على تبرير جرائم إسرائيل التي ترتكبها يوماً بحق الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية عموماًَ، ولو كان سلوك هذا الطرف العربي أو ذاك، لم يكن يساعد على اتخاذ موقف عربي موحد صلب في الدفاع عن الثوابت والحقوق المغتصبة، ترتقي إلى مستوى المجابهة الموحدة حيال الرفض الإسرائيلي الدائم للسلام، وإذا كانت قوى المقاومة ترفض دائماً تسويق البعض لأوهام حول إمكانية التأثير في الموقف الإسرائيلي عن طريق التنازلات والتراجعات، فإنها وكما يقتضي واقع الحال، استخلاصها من التجارب المريرة مع هذا العدو الصهيوني، أن تحدد موقفاً أكثر جدية وصلابة، تجاه الرفض الإسرائيلي الدائم للمرجعيات الدولية المعروفة لعملية السلام، وكان عليهم أن يقتنعوا بأن أي تنازل أمام إسرائيل لم يقربها من الموافقة على استحقاقات السلام بل على العكس، تعمل وتضغط بالتعاون الكامل مع حليفها الاستراتيجي الأميركي على الجانب العربي، الضحية ليقدم المزيد من التنازلات، ولو توفرت الحكمة والغيرة الضرورية لدى هؤلاء البعض من العرب على القضايا المحقة والمشروعة لشعب العربي الفلسطيني، لاقتنعوا بأنه لكي ترغم إسرائيل على الاستجابة الواقعية لاستحقاقات السلام، لفعلوا التضامن العربي الكفاحي في وجه إسرائيل، واتخذوا المواقف الموحدة التي يفرضها، من وجهة نظر الحق العربي، المتسمة بالصلابة والرفض لمجمل السياسة العدوانية الإسرائيلية التي لم تتوقف يوماً عن اعتداءاتها الدائمة على الأرض والحقوق الفلسطينية بما في ذلك محاولاتها بتهويد الحرم الإبراهيمي وغيره من الأوابد والأماكن العربية والإسلامية المقدسة، ولسنا الآن بصدد تكرار ماهو معروف، وخاصة فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي الرافض للانسحاب من الأرض المحتلة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، والإقرار بحق العودة والقدس ورفع الحصار عن غزة، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغير ذلك، ولكننا الآن بصدد هذا التهافت المجاني على تأييد أي مبادرة أميركية ولو كانت لمصلحة العدو الصهيوني، ومنها المبادرة الأخيرة التي وجد معظم وزراء الخارجية العرب أعضاء لجنة المبادرة العربية منساقين إليها ومستجيبين لها بطريقة غير مفهومة، علماً أنهم في قرارة أنفسهم مخطئون في موافقتهم هذه، حتى إن عمرو موسى أقر بصوابية الموقف السوري ولاندري، هل يعتقد العرب أنهم سيحققون تقدماً ما باتجاه السلام العادل والشامل في موافقتهم هذه؟
لقد تعب وملّ العرب من الأوهام حول إمكانية تحييد الموقف الأميركي، الذي لم يتخذ يوماً موقفاً جدياً واحداً لمصلحة العرب.
وكان دائماً الداعم الرئيسي لإسرائيل ومن يعتقد أن أميركا غير قادرة على التأثير في الموقف الإسرائيلي لمصلحة السلام العادل والشامل، فهو واهم ومخطئ من يتوهم بإمكانية تغيير الطبيعة العدوانية لإسرائيل، رحم الله ذلك المفكر العربي السياسي الكبير الذي قال عقب عدوان حزيران عام 1967: «إنه لو اعترفت جميع الدول العربية بإسرائيل فإنها لن تغير من طبيعتها العدوانية ولن تغير من وظيفتها الاستعمارية الاستيطانية في المنطقة».
فالسلام الحقيقي يحتاج إلى موقف عربي قوي وموحد، وخيار المقاومة والصمود ورفض أي تنازلات هو الضمان الوحيد لإنجاح السلام الذي يستجيب لمصلحة شعوب المنطقة ولمصلحة السلام العالمي.