يتفرغون خلالها للكتابة وللتعرف على مدينة برلين. ومن بين هؤلاء الكتاب الكاتب العراقي صموئيل شمعون الذي أمضى شباط الماضي في العاصمة الألمانية، من حوار أجرته دويتشه فيله معه, نقتطف التالي:
في الغرب يعتبرونك كاتبا في المنفى، هل تعتبر نفسك كذلك؟
لا أعتبر نفسي كاتبا في المنفى. أنا أعيش في أوربا كمهاجر متأقلم مع البلد الذي أقيم فيه. أي في بريطانيا. لا أبالغ إذا قلت إنني منذ السادسة من عمري أردت ترك العراق.
هل ترفض هذه الصفة؟
لا أرفضها تماما. لكني لا أعرف في الحقيقة كيف أفسر معنى المنفى. ربما كنت في فترة ما, لا أستطيع أن أذهب إلى العراق، حين كان هناك نظام حكم لا يسمح لي بالعودة، أو ربما كان سيسمح لي بالعودة لكن تحت شروط قاسية كنت أرفضها.
هل يعني ذلك أن عودتك إلى العراق أصبحت ممكنة؟
لا أعتقد أنني سأعود ذات يوم إلى العراق. على الأقل إنني لا أفكر في هذا الأمر في الوقت الحاضر. لا توجد عندي هذه الرغبة. ربما في المستقبل، من يدري. كما قلت كنت طيلة طفولتي ومراهقتي وشبابي دائما أحب السفر إلى الخارج. الخارج كان آنذاك يعني بالنسبة لي هوليوود. لم أفكر أبدا أن أشيخ في بلدي.
هل تعتبر نفسك عراقيا؟
أنا طبعا كاتب عراقي وأشعر بذلك. لكني في الوقت نفسه لست عراقيا. أنا ولدت هناك. بالتأكيد, كنت أيضا سأكون سعيدا لو أني ولدت في طنجة أو في القاهرة أو بيروت. لا أتوقف عند هذه النقطة كثيرا. العراق في الحقيقة بلد جميل وله ثقافة عريقة, ولا بد للمرء أن يشعر بالفخر أنه ولد هناك. لكن العراق الذي ولدت فيه لم يعد موجودا، ومنذ وقت طويل، العراق الذي أعرفه لم يعد موجودا. هناك فرق كبير بين أبناء جيلي, والذين ولدوا في العراق في السبعينيات وغادروه في تسعينيات القرن الماضي. هذه الملاحظة يشاطرني فيها الكثير من العراقيين الذين أعرفهم. فترة حكم صدام والإيديولوجية الواحدة، والحرب مع إيران وفترة الحصار، ثم هذا العراق الموجود الآن, والذي لا أعرف كيف أسميه، كل هذا ترك آثارا كبيرة على شخصية الإنسان العراقي الحالي، التي تختلف عن شخصية أولئك الذين عاشوا في العراق قبل هذه التغيرات.
جئت إلى برلين تلبية لدعوة مهرجان برلين الأدبي للإقامة في فندق بلايبتروي والتفرغ للكتابة. ما هي الأنشطة الأخرى التي قمت بها خلال فترة إقامتك في برلين؟
جئت خلال شهر شباط للتفرغ للكتابة. كنت أكتب روايتي الجديدة حول فترة إقامتي في بيروت أيام الحرب الأهلية. لكني استغليت هذه الفترة أيضا لإتمام فيلمي الوثائقي عن الشاعر العراقي الراحل سركون بولص. فأنا هنا في الغرفة أشتغل يوميا عدة ساعات في ترتيب أشرطة الفيلم. صورت سركون بولص لمدة تفوق الأربعين ساعة, وفي فترات مختلفة وفي مدن عديدة أغلبها في ألمانيا، بالإضافة إلى سان فرانسيسكو حيث كان يقيم هو. لكن سركون توفي في برلين منذ سنتين. لذا سأتحدث في الفيلم خاصة عن حب هذا الشاعر العراقي لألمانيا وخصوصا لمدينة برلين.
هل تعرف سركون بولص جيدا، كشخص؟
أعرفه جيدا، سركون كان شاعرا كبيرا. أنا كنت معجبا به كشاعر وأيضا كمثقف. التقيته أول مرة في باريس عام 1985 وتعلمت منه الكثير. إنه يمتلك شخصية آسرة ومعلومات كثيرة في مجال الأدب، ما كنت أفتقره آنذاك. كنت شخصا يحب السينما كثيرا وكانت معلوماتي الفنية والثقافية محصورة إلى حد ما في المجال السينمائي. في منتصف الثمانينات بدأت أحب الأدب، ومع سركون كنت أجد نفسي أتعلم الكثير، فهو شخص مطلع جدا على الحركة الأدبية العالمية والعربية. أعتقد أني أصبحت منذ منتصف الثمانينيات إلى الآن خبيرا أيضا بشكل من الأشكال.
هل يمكن أن تتصور نفسك الآن في وضعيته؟ أن يكتب صديق ما رواية عنك أو أن ينجز فيلما عنك بعد وفاتك، طبعا بعد عمر طويل؟
في الحقيقة لست أدري. أتمنى، عندما أرحل عن هذا العالم أن يكون هناك شخص كريم ووفي ويقوم بعمل ما عني. ونحن في هذا الفندق بلايبتروي، ما يعني «كن وفيا». أنا وفي لسركون لأنه كان صديقا عزيزا, وكان أخا كبيرا وكان شاعرا عظيما. عندما بدأت أصوره كنت أقول له: «أريد أن أعمل فيلما عنك.» كان دائما يضحك ويقول: «لأنك فشلت في السينما وجدت فيّ الضحية كي تنجز فيلمك.» كما أنه كان دائما يقول لي إن هذا هو الفيلم الوحيد الذي سأنجزه في حياتي. ربما كان محقا. (يضحك) بدأنا بتصوير الفيلم منذ عشر سنوات. الرجل مات ولم يشاهد الفيلم.
متى تنوي عرضه إذن؟
تحدثت مع إدارة مهرجان برلين الأدبي وتم الإتفاق على عرضه في دورة هذه السنة في شهر أيلول المقبل. أيضا سوف أعرض منه مشاهد في مهرجان طيران الإمارات العالمي للأدب في دبي في العاشر من آذار الحالي.
هل سيكون الفيلم جاهزا إلى غاية شهر أيلول؟
طبعا. سيكون فيلما جميلا حقا. ليس فقط عن سركون ولكن عن الأدب العربي أيضا.
بخصوص الحديث حول الأدب العربي، هل تعتقد أنك كنت ستصبح مشهورا لو لم تغادر العراق؟
لا أعرف. لم أفكر لحظة واحدة، ومنذ طفولتي, أنني سأبقى هناك. لكن هذا لا علاقة له بالشهرة ككاتب. أعرف الكثير من الكتاب العرب كسبوا الشهرة في بلدانهم أولا قبل أن يصبحوا مشهورين في الخارج. خرجت وعمري واحدا وعشرين عاما. حينها لم أكن قد كتبت شيئا. حينما بدأت أتشكل ككاتب كنت أعيش في الخارج.
كيف تقيم الأدب العربي في الدول العربية؟
أعتقد أن الأدب العربي الآن يمر بمرحلة جديدة في جميع البلدان العربية. كما أن هناك تطوراً كبيراً على مستوى الكتابة. إذ يوجد الكثير من الشباب الذين يكتبون أعمالا ممتازة. إنها أعمال شيقة وممتعة تعالج مواضيع يعيشونها يوميا في مجتمعاتهم وليس مثل الأدب العربي في الخمسينيات كالرومانسيات والثوريات والتي كانت في الغالب تقليدا للأدب الروسي أو الفرنسي، وفي غالب الأحيان بشكل سيء. أما الآن يعرف الشباب كيف يكتبون عن حياتهم وعن مجتمعاتهم وعن عائلاتهم.
هل هناك موضوع خاص ترغب أن تكتب عنه؟
مشاريعي تتغير باستمرار. لكن هناك موضوع يرتبط بحبي للسفر أرغب في الكتابة عنه, وقد أحتاج لمدة سنة لإتمامه. وهو العيش في القطارات في أمريكا. أرغب في الانتقال من قطار لآخر والتحدث إلى الناس. الأمريكيون شعب متنوع، ما يعطي مذاقا للحوار معهم. الحاجز الوحيد لتحقيق هذا المشروع, هو إقناع زوجتي بالسفر معي، لكي أستغلها وتصورني أحيانا (يضحك) إنها مصورة جيدة.