تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الشاعرة نتالي حنظل عندما أكتب فأنا أقاوم

ملحق ثقافي
7-8-2016
حوار: ليزا مجاج/ ترجمة: نور طلال نصرة

- تطرحين في عملك كشاعرة ومحرّرة وكاتبة مسرحيات قضايا تتعلق بالمرأة الفلسطينية والعربية وبالعرب الأمريكيين، كما طرحتِ مؤخراً قضايا تتعلق بالجندر والجنسانية، ما الذي دفعك إلى هذه القضايا؟ وهل تأثر عملكِ بما يجري من أحداث حول العالم؟

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

-- كل كاتب أو فنان لديه طريقة بحث في العوالم الخفية أو العالم المظلم الذي يتدلى حوله، سواء كان هذا العالم مرئياً أو محجوباً، جهوراً أو صامتاً. فأنا أنحدر من بيت لحم، وقد أصبح التنقل الدائم أمر واقعي بالنسبة إلي، لذلك سيؤثر هذا حتماً في عملي. أقيم في الولايات المتحدة ولا يمكنني الهرب من كوني عالقة في شق باب مفتوح لمنتصفه، على هذا الجانب مشهد الهضاب المرتفعة وعلى الجانب الآخر مشهد تلاشي أشجار الزيتون. وهناك ما يذكرني كل يوم بأنني امرأة، ويذكرني بأنه عليّ أن أناضل من أجل شيء ما، من أجل أي شيء.‏

على سبيل المثال: في الولايات المتحدة الأمريكية 17 بالمئة فقط من المسرحيات التي تقام هي مسرحيات لكاتبات مسرح أمريكيات، ولا أعلم كيف يمكنني أن أنفصل عن الواقع من حولي، عن جماله ومخاوفه. فوق كل هذا، إنّ اهتمامنا بما يدور حولنا يتجلى بالمقدس فينا بشكل أكبر. أريد أن أتفاعل مع العالم من خلال عملي، أريد حواراً لا ينتهي أبداً. وما يعنيني هو أن يتكفل الفن بإيصال رسالة الحب. وأن يوحدنا في السرّاء والضرّاء، في الهزائم والانتصارات، وأن يقربنا من الله الذي في داخلنا.‏

- هل بإمكانك أن تشرحي أكثر ماذا تقصدين بالمقدّس في داخلنا ؟ وعندما تحدثتِ عن الحب، هل تعنين الحب الشخصي بين الأفراد ؟ أم ترمين لشيء أوسع من هذا التعريف الضيّق ؟‏

-- أقصد بالمقدّس كل ما هو إلهي في داخلنا، الأكثر سمواً. أقصد بالحب تلك القوة الأكثر غموضاً بالنسبة إلينا ومع ذلك نكون الأكثر دنواً منها، تلك القوة التي تدفعنا إلى الحياة وإلى أنفسنا وإلى الآخرين، تلك القوة التي تساعدنا على تجاوز الأصداء العميقة في حناجرنا. الحب الذي أتحدث عنه هو الحب الذي نعثر عليه حتى وإن لم نبحث عنه.‏

- تسردين في مجموعتك الشعرية الأولى ( ذى نِفر فيلد) تجربة اغترابك عن بلدك فلسطين، ليس الاغتراب بالمعنى الجسدي عن الوطن بل هي غربة الذات. كيف أدركتِ وخبِرتِ المنفى كامرأة فلسطينية عاشت في أماكن عديدة؟ هل المنفى هو شكل من أشكال العنف؟ هل هو أمر يتعلق بالجندر؟ وكيف ساهمتْ تجاربك في الاغتراب في تشكيل عملك الخاص؟‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

-- قد يكون المنفى في بعض الأحايين مكاناً يبعث على النضوج، لكنه في الدرجة الأولى مكان خصب للأذى النفسي بالنسبة إلى الحب، حيث يمنحك المنفى فرصة للحياة لكن حالة الفقدان غير محتملة أيضاً، فقدٌ يعلق بك ويلازمك من تلقاء نفسه، فقدٌ تدمن عليه، بينما تكون مدمراً سواء كنت تعيش معه أو بدونه. وتكون غافلاً وبعيداً عنه.‏

- تحدثتِ في رسالتك «الشعر كالوطن» عن رحلاتنا المشتركة في البحث عن الهوية في معترك الاغتراب، كما أشرت أنه لدينا معركة مزدوجة مع قضايا تحديد الهوية في عالم لا يقبل في كثير من الأحيان سوى الهويات الفردية، وعلينا أن ندرك أن الهوية أمر أكثر من معقد وعميق أكثر من التقسيمات القاسية المتزمتة التي يمكن تفسيرها، لكن كما نعلم جميعاً، إن القوة السياسية التي تحدد أيّ الهويات شرعية وأيّها غير شرعية هي غالباً تساهم في صياغة الهويات بطرق عنيفة. تعرضين في نصوصك الشعرية الأخيرة وخاصة في كتابك الثاني «حيوات المطر» وفي اسطوانتك المقروءة تجارب الفلسطينيين مع الاحتلال والعنف ومع قوات الجيش الإسرائيلي والسيطرة التعسفية والتي تسعى إلى محو معالم الهوية الفلسطينية مجتمعة، ومع ذلك، أنت تفعلين الأمر ذاته بلغة حسية لافتة تقابل العنف من جهة معيّنة من خلال طرح أسئلة عن العلاقات الإنسانية. هل لديك منهج فلسفي معيّن لتوضيح العنف والظلم كشاعرة؟ وما هو الدور الذي تشعرين بأنه على الجندر والجنسانية القيام به في هذه المهمة؟‏

- كما تعلمين لقد ازداد الوضع سوءاً لدرجة لا تحتمل تصديقها؛ حيث أننا نرى مع هذا الجدار كيف يتم خنق حياة الناس على جميع الأصعدة، إنّ الشيء الوحيد الذي شعرت أنه باستطاعتي القيام به هو العودة إلى شعورنا الفطري، أريد أن أتواصل مع شعبنا لأشاركه أنفاسه، أن أرى مشهد لعاشقين يتبادلان القبل قرب النهر، أن أشاهد أماً مع طفلتها يتجولان حول شجرة برتقال، رجل خسر منزله لكنه لم يُضع المفتاح. ومع صور هذه القصيدة يصبح العنف الذي يمارسه الاحتلال أكثر ترهيباً لقارئ قد تربطه بأولئك الأشخاص في القصيدة علاقة إنسانية، قد يكون أحدهم حبيبه أو حبيبته، والدته أو أخته. أعتقد أن النساء قد أدركن طريقهن في بلوغ الأفق والإمكانيات المتاحة أمامهن.‏

- هل يمكنك أن تخبرينا أكثر عن رؤيتك لتوسط الجنسانية ضمن علاقات العنف هذه؟ فمثلاً في مسرحيتك «تفاصيل الصمت « تغوصين في التجارب الداخلية والخارجية للمرأة العربية من خلال جنسها.‏

- أنا أؤمن بصوتنا وبالقوة التي يملكها في تغيير الأشياء. يتوجب علينا أن نظهر للعلن وأن تكون قصصنا وحياتنا على مرأى من الجميع، فعندما نخلق فضاءات حوارية للنساء (من خلال المسرحيات والقصص والشعر والأفلام) نكون بذلك قد أفسحنا المجال أمامهن. لدينا قضايا مهمة كالجنس والعنف يجب التطرق إليها، لكن بالطبع علينا توخي الحذر من أن نُفهم بشكل خاطئ وألا نخرج عن القواعد الاجتماعية والثقافية المتعارف عليها. ينتابني شعور بواجب كبير في نشر الوعي. كعرب نولد أو نعيش خارج الوطن العربي، نحن أولئك الأشخاص الأكثر قرباً من الغرب، إننا نلعب دوراً كبيراً في طريقة فهم الآخرين لنا، فالصورة التي نقدمها عن أنفسنا هي صورة مهمة وبالتالي تشكل أصواتنا قوة مهمة للتغيير لا يمكننا الاستهانة بوقع كلماتنا، وبدون تعزيز قوة المرأة فإن عالمنا لن يتطور، وبدون كلماتنا لما كنّا هنا نتناقش ونتبادل الآراء، نساهم في تأسيس المستقبل، نعزز فكرة الإنسانية والسلام ونمكّن النساء من أداء أدوارهن.‏

- إنني مهتمة بشكل خاص بالوسائل التي تحديتِ بها المجاز الكتابي للكاتب الفلسطيني الرجل الذي يكتب عن فلسطين وكأنها معشوقته، وأعدتِ صياغة علاقة الشاعر بفلسطين بطريقة تتعلق ضمناً بالجندر. هل يمكنك التحدث ولو قليلاً ماذا تعني الكتابة عن القضايا الفلسطينية من وجهة نظر أنثوية؟‏

--إن فلسطين هي المعشوق الأمثل، لأنها تطلق لي العنان لأحبها بالطريقة التي أريدها. وأنا أعني بهذا أنني لم أشعر أبداً أن بلدي يرفضني سواء خاطبته بلطف أم بتهكم، سواء وعدته بشيء ما ولم أفِ به، سواء ذهبت إلى حضنه أو بقيت بعيدة عنه. لقد أحبتني فلسطين دون شروط. إنها العاشق والمعشوق. وبالرغم من أن فلسطين ليست حرة، إلا أنني لا أشعر بالحرية إلا عندما أكون في أراضيها. تحلق أجنحتي في نسائمها المحسوسة والحانقة، وينظم قلبي أشعاره في ظلالها.‏

عندما أكتب عن القضايا الفلسطينية فإنني لا أكتب عنها كوني امرأة فقط، بل أكتب كروح إنسانية تناضل من أجل روح أخرى عانت من الظلم لما يزيد عن خمسين عاماً.‏

- بدأت تتناولين في معظم أعمالك الأخيرة سواء كانت مقالات أو مسرحيات، مواضيع تتعلق بالعنف الجنسي والكبت في الأوساط العربية، وفي الوقت نفسه تدركين جيداً صمت الأدب الفلسطيني ضمن الأوساط الأدبية المسيطرة. هل ترين أي رابط بين الصمت في الحالتين؟ وماذا يعني لك كامرأة عربية أن تتحدثي عن قضايا الجندر في الوقت نفسه الذي تتحدثين كفلسطينية عن قضايا الاحتلال والعنف العسكري؟‏

-- إن رحلة كتابة مسرحيتي «تفاصيل الصمت» كانت ممتعة ومنعشة ومؤلمة في الوقت ذاته. كانت شخصيات المسرحية من النساء فقط، نساء عربيات يتحدثن عن حياتهن، كانت منصة القراءة كسيمفونية في الفضاء في نيويورك. لم أكن جاهزة تماماً للتعامل مع التفاعل بشكل عام على الرغم من دعم بعض النساء العربيات للمسرحية وللقضايا التي تناولتها. كالعنف - سفاح القربى- المواضيع الجنسية، بعضهن كن قلقات وبعضهن قلن إن هذه القصص غير موجودة في المجتمعات العربية، في حين أن بعضهم سأل لماذا عليّ أن أطرح مواضيع كهذه ستشوه سمعتنا كعرب في الإعلام الأمريكي. وكما تعلمين أنا أعمل بجد وبشكل فعّال، وقضيت حياتي في دعم قضايا المجتمع. لذلك عليّ أن آخذ بعين الاعتبار كيف فشلت في إيصال ما أريده، الذي كان ببساطة قصصاً إنسانية- قصص عن النساء، نساء يفخرن بأنهن عربيات. ثمّة سؤال بقي عالقاً في ذهني وهو كيف يمكننا كمجتمع أن نتطوّر في حال لم نعرّ هذه القضايا؟ وماذا يحدث في حال تعارض التزامك بقضايا مجتمعك مع سعيك للحقيقة؟‏

- ما هي المجالات المتاحة للمقاومة بالنسبة لكِ كشاعرة وكاتبة وامرأة؟‏

-- جميع المجالات، فعندما أكتب، فأنا أقاوم. إنها طريقتي في مشاركة عوالمي الداخلية تلك التي أعرفها والتي لم أختبرها بعد. وعندما أتقاسم هذه العوالم مع نفسي يتجدد لديّ الأمل بأنني أتواصل مع الناس والطبيعة ومع أرض الأحلام (فلسطين). إنني أكتب المسرحيات والقصائد والقصص لأنني أعشق الكلمات، إنها طريقتي أيضاً في النضال ضد النسيان، ومسلكي في المشاهدة وفي سرد جميع أنواع التجارب الإنسانية. يجب ألا نتوقف عن الإيمان في قوة النساء الفعّالة في بناء ثقافة السلام. يجب أن نمتلك الشجاعة لذلك. علينا أن نتذكر أنه في كل لحظة نبقى صامتين ، نغدو مشاركين فعّالين في الظلم المستشري في العالم.‏

....‏

بطاقة‏

شاعرة وناقدة وكاتبة مسرحية حاصلة على عدة جوائز. نشأت في أمريكا اللاتينية وفرنسا والعالم العربي، وتلقت تعليمها في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. أحدث مؤلفاتها تشتمل على «الجمهوريتان» 2015 الذي حاز على جائزة فيرجينيا فوكنر للامتياز في الكتابة، و»جب في الأندلس» 2012 الذي نال إعجاب النقاد، ولها أيضاً «حب وأحصنة غريبة 2010، الحائز على الميدالية الذهبية للناشرين المستقلين، والذي وصفته النيو يورك تايمز بـ»الكتاب الذي يرجف بالانتماء والحنين». حازت حنظل على زمالة مؤسسة لانان، ومؤسسة الأندلس للأدب، ومؤسسة فينيسيا، وعلى وسام أليخو زُلواجا في الأدب. هي أستاذ بجامعة كولومبيا وتكتب عمود الرحلة الأدبي، «المدينة والكاتب» لمجلة ووردز وذأوت بوردرز الإلكترونية. وُلدت حنظل عام 1969 في هايتي، أمريكا اللاتينية، لعائلة فلسطينية، وتنقلت مع عائلتها بين العالم العربي وفرنسا وإنجلترا. حصلت على شهادة الماجستير في اللغة الإنجليزية والدراما في كلية الملكة ماري، جامعة لندن، وزارة الخارجية في الكتابة الإبداعية من كلية بينينجتون، فيرمونت. في العام 2016، اُختيرت أشعارها للنشر في لائحات مترو وحافلات مدينة نيويورك من ضمن مشروع «الشعر المتحرك».‏

حازت على العديد من الجوائز. كما عاشت في أوروبا والولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية والعالم العربي. وقد ظهرت لنتالي حنظل كتابات وأعمال عديدة في المجلات والمنشورات الأدبية في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط.‏

وفضلاً عن الإنجليزية، تكتب الشاعرة نتالي حنظل بالإسبانية أيضاً التي هي لغتها الأم والتي تفكر وتتخيل بها رغم أن دواوينها تصدر بالإنجليزية أولاً، وذلك بسبب إتقانها إلى حدّ يوازي الإسبانية.‏

تعيش ناتالي حنظل اليوم في نيويورك وتدرّس الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، لكن كتاباتها عن بلدات ومدن فلسطين المحتلة وناسها لا تنقطع، بحيث تبدو هاجسها الأول. وتفتخر بثقافتها العربية الفلسطينية.‏

أنهت دراستها الجامعية في فن الدراما في لندن، وحصلت على ماجستير في الكتابة الإبداعية من كلية بينجتون في فيرمونت، وبكالوريوس في العلاقات الدولية والاتصالات من كلية سيمونز في بوسطن. وهي محاضرة في مجال المسرح والكتابة الإبداعية، شاركت في ورشات عمل في جامعات السوربون، ولندن، وماك جيل، كما في جامعة سيتي في نيويورك.‏

وهي ناقدة للكتب الشعرية في مؤسسة (sable) في المملكة المتحدة، وعضو في الهيئة التنفيذية لمشروع القصبة، وتعلم في جامعة كولومبيا، كما أنها أستاذة جامعية ومؤلفة لعدة كتب. وأعطت محاضرات عن العرقية - الأدب الأميركي في جامعة السوربون في باريس.‏

نالت الأنطولوجيا التي حررتها «شعر النساء العرب» على جائزة نادي القلم، بأوكلاند.‏

رشح ديوانها «حيوات النهر» لجائزة أجنيس لينش ستاريت للشعر. نشرت قصائدها في العديد من المجلات والدواوين المجمعة، وترجمت إلى الكثير من اللغات. لنتالي تجربة مع القصائد المسجلة بمرافقة موسيقية. فشركة الاسطوانات التسجيلية (ASC ) في المملكة المتحدة، سجلت لها.‏

وهي مثال امرأة من عصر النهضة تلائم القرن الحادي والعشرين. تعيش في نيويورك وتحرر مجموعتين من المقتطفات الأدبية كما تساعد في إنتاج فيلم روائي عن الشاعر جبران خليل جبران وتعمل على تأسيس فرقة مسرحية جديدة مقرها بريطانيا.‏

وعلى غرار الكتاب العرب الأمريكيين تستغل حنظل الاهتمام بكل ما هو عربي منذ هجمات 11 أيلول 2001. ونتالي لا تتوانى عن الدفاع عن بلدها وشعبها في كتبها وأشعارها ومحاضراتها، كما أنها من أهم الشخصيات التي تعمل على تجميع مثقفين العرب في أمريكا والغرب كله للعمل على تغيير صورة العرب بالنسبة إلى العالم. وتهتم بقضية الهوية التي يواجهها العرب في أمريكا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية