فعلى رصيف العام..أجمع حقائب الوقت وأمتعة الأحلام، وقطار العمر يمر مسرعاً إلى غير رجعة، هناك أنتظر، ألملم كما الخريف، ذبول الآلام، وأضمد جراحاتي، عاقدة الأمل وأنا أصلّي أن أحمي نفسي من الشرير فأنجو، وأكون على ما يرام وأنا أشهد ولادة العام الجديد، وأطفئ شمعة العيد، وأضمر الأمنيات، حين تدق الساعة في منتصف ليل كانونيّ وأنا وأسرتي نقطع قالب الحلوى، أشعر بأصابع الحياة تتسلل خلسة لتخط على وجهي تجعيدة زمن، وكأنها تنذرني أنني كبرت عاماً، نضجت كما الثمار، ومع هذا أعقد الأمل أنني في هذا العام سأكون الأمتن والأصلب، وأن موسم قطافي من شجرة الحياة لم يحن بعد..! لذا أتتبع صوتي الباطنيّ هامساً بالقول: لنحيا ونفرح بالعيد؟
فهذا «الوقت سيمضي»، هي العبارة التي نقشت على خاتم أحد ملوك الهند، حين طلب تدوين جملة تفرحه حين يقرأها، وتحزنه في غمرة فرحه، فكانت تلك، جملة تجعلك غير آبه بصراعات الأيام والوقت، متحرراً منه.. متلاشياً حريصاً متوازناً، تقدّر كل لحظات الحياة والفرح والتأمل، وهو ما نبتغيه اليوم ونعقده مع ولادة عام جديد، أن نبقى متّزنين رغم جراحاتنا، وما مررنا به، فشعبنا الذي صمد أعواماً عجافاً، لا يزال يمجّد الحب، يعشق الحياة، يعاند الألم، يتعافى رغم عجزه، وفقره، وخيبته، يقلب صفحة بيضاء في روزنامة حياته، قاطعاً العهد لنفسه أنه سيفرح ويرفع عتبة الألم وعتبة الصد وعتبة التغاضي ليكون لنفسه دافعاً يتقبل فيه خسارات الأعوام التي مضت وارتحلت.
فها هو العالم اليوم يشهد لسورية العظيمة أنها رغم عذاباتها قامت كقيامة المسيح، سورية التي تعمّدت بدم شهدائها الأبطال قرابين الحياة، هي اليوم، مزدانة بفرح النصر، تقيم قداديس الميلاد ورأس السنة تصلّي للسلام ولرسول السلام، يعلّق أبناؤها بتنوع أطيافهم الأمنيات على شجرة الميلاد المجيد، عاقدين العزم أننا سنعيش سويّة قادمات الأيام بالحب والعفو والغفران كي ننعم بالسلام الداخلي، لذا سنفرح ونهلل للعيد، فلم يعد هناك متسع من الوقت الذي يثأر منا جميعاً فهو حتماً سيمضي.