الذي التجأ أليه أكثر من مئة طفل وشيخ وامرأة, اعتقاداً من هؤلاء الشهداء أن اسرائيل لن تقصف مقر الشرعية الدولية من منطلق أن تلك المنظمة هي التي منحت الشرعية القانونية لدولة ولدت في مخابر ودهاليز مصالح الدول الكبرى غير مدركين الطبيعة العنصرية والعنفية الكامنة في جوهر وكينونة تلك الدولة فكان أن قامت تلك الدولة بقصف وحشي ذهب ضحيته أكثر من مئة أغلبهم من الأطفال والنساء في عملية أطلق عليها اسم رمزي هو عناقيد الغضب ولمن لا يدري فإن هذا الاسم هو عنوان لرواية الكاتب الأميركي باسترناك وهو ما يحمل أكثر من دلالة!
وفي قانا 2006 قصفت ذات القرية الوادعة ولست أدري حتى الآن ما هو الاسم القتالي لهذه العملية الذي اسمح لنفسي أن أطلق عليه اسم عناقيد الحقد والكراهية, عناقيد الهزيمة التي بدأت تطل برأسها عبر مؤشرات عديدة أهمها ضرب الأطفال والنساء فهذا من دلائل الإفلاس ومن علامات الهزيمة والذي أود قوله في هذه المقالة هو التالي: لماذا قانا بالذات?
قبل ألفي سنة دعي السيد المسيح إلى قانا لحضور حفلة عرس وكانت أجواء الفرح والعدد الكبير من المدعوين تستوجب تأمين كمية كبيرة من الخمر الذي بدأ ينفذ والحفلة ما زالت في بدايتها فكان أن طلب من السيد المسيح إظهار معجزته التي تمت بتحويل الماء إلى خمر. وكانت تلك أولى عجائب السيد المسيح. إذاً قانا ليست أرضاً عادية, واليهود يعرفون ذلك ولأنها كذلك يقومون بهذه الجرائم للقضاء على الرمز قبل الإنسان, ومن طبيعة اليهود تقديس رموزهم وتهديم رموز الآخرين, فمن الرمز تنبعث عادة كمية من الشحنات الروحية تعادل في قوتها, تلك القوة المنبعثة من ملايين القنابل التي سرعان ما تزول لكن الرمز يبقى ولهذا السبب تحرص الأمم على رموزها حرصها على وجودها, والأمم التي تفتقر للرموز تعمل جاهدة وتنبش التاريخ من أجل العثور على رمز تستظل بأفيائه المعنوية وأنا أريد هنا أن أذكر الغرب (المؤمن) وجورج بوش حامل الرسالة الإلهية والمكلف من الرب بتمدين العالم (!) إن القرية التي ضربتها اسرائىل هي رمز مسيحي مقدس ينبغي أن يسيج بالزهور لا بالدموع وبالنخل والزيتون لا بالصواريخ والقنابل. أليس هذا ما ينبغي على المؤمن بالسيد المسيح أن يقوم به?
ولماذا أذهب إلى البعيد وقد تملكتهم النزعة المادية وأبعدتهم عن أي أحساس بالقيم الأخلاقية التي جاء السيد المسيح والرسل لزرعها في التربة البشرية. لماذا أذهب إلى الغرب لكي أخاطبه وهنا من هو قريب مني وله من الدرجة الكهنوتية في لبنان ما يستدعي نقل كل حركاته وتصرفاته ولقاءاته يومياً ويعيش في صرح يقولون عنه إن مجد لبنان قد أعطي له, يقول غبطته وبعد يوم واحد من ضرب قانا, وفي عظة يوم الأحد 30-6-2006 إن الله ربما قد سمح بحدوث كل ذلك لأننا ابتعدنا عن الله! وقد ذكرني ذلك بما قاله أحد رجال الدين بعد هزيمة العرب في سنة 1967 من أن ابتعادنا عن الله هو السبب المباشر للنكسة! وأتساءل وبمرارة وحزن هل يعقل أنه يصل الأمر بهؤلاء إلى هذه الحالة البعيدة عن كل منطق وعقل? هل يعقل أن نقدم تبريراً لجرائم العدو الصهيوني وأن نظهره بمعنى من المعاني أنه مكلف من الله بضرب كل من يبتعد عنه, فضرب اسرائيل لقانا بهذا المعنى يأتي عقاباً من الله على ابتعادنا عنه وإن الله يرى في اسرائىل المنقذ الأمين لمشيئته, أي إن اسرائيل هنا وظيفة إلهية, وهي بمثابة الذراع العسكري للخالق سبحانه وتعالى! وحاشى الله أن يكون كذلك. فهل نفكر قليلاً قبل أن نتكلم ونتقي الله فيما اؤتمنا عليه? أم نستمر في جهلنا أو ربما تجاهلنا من أجل منفعة هنا ومكسب هناك, ألم يقل السيد المسيح: ماذا ينفع الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه? أجل إنهم يخسرون أنفسهم ويخسرون كل المعاني والقيم النبيلة التي لايمكن للإنسان أن يحيا بدونها..