بحر فلسطين القديم يقف هناك شاهداً وأسيراً , يقف نافذة لبيتنا وباباً لبضعة من تاريخنا وهو الشاهد منذ الأزل أننا لازلنا هنا وسنبقى فاشهد أيها البحر على الإنسان الذي تمتد عروقه شمالاً وجنوباً على امتداد الساحل الشرقي للبحر المتوسط, الإنسان الذي كبر وعلا فوق الموت والدم والتدمير والهدم , الإنسان الذي صنع من حلم النصر واقعاً ومن الصمود أسطورة على هذه الأرض التي ليست ككل الأرض.
فلتشهد على دماء أطفالنا ودموع أمهاتنا وآلامنا, على السنين التي أمضاها رجالنا في السجون, على انكساراتنا كيف تصبح انتصارات وحضارة وصواريخ تهطل كأول المطر الذي يزف البشرى, وبريداً عاجلاً إلى قراصنة العصر وسادتهم بأن أيامهم باتت معدودة وأنهم لن يجدوا حتى السفن التي ستأخذهم كما جلبتهم قبل بضعة عقود من الزمن.
ولتشهد أيها البحر على البحر الذي اهتز وابتدأ ههنا على أرض الجنوب , بحر أسياد الحق والرجولة والبطولة , بحر الذاهبين إلى القتال وهم أهلها ولها , الذاهبين إلى الموت باسمين واثقين بأن الله وليهم ومؤيدهم , وأن الله هو ناصرهم.
لتشهد على الجنوب الذي لم يعد جنوباً كأي جنوب , صار بوصلة الكرامة والانتصار, بوصلة إلى فلسطين , صار قاموس الحياة والموت , قاموس البناء والتحرير ومفردات اللغة الجديدة ,لغة تتجمع لنكتب منها أجمل أحلامنا وذكريات انتصارنا وطريقنا الطويل نحو حريتنا , لم يعد الجنوب ذاك الجنوب, صارت كل البلاد جنوباً وانتهت جغرافيا الهزيمة.