وسرعان ما احتلت مكان الصدارة في قوائم أفضل المبيعات في ألمانيا، بل وتم ترشيح الرواية لجائزة الكتاب التي يمنحها معرض لايبتسغ في الربيع من كل عام، واستطاعت الرواية أن تشق طريقها وسط مئات من الإصدارات الجديدة حتى وصلت الآن إلى القائمة القصيرة التي لا تضم سوى ستة أعمال.
ولكن سرعان ما اكتشف النقاد والقراء أن أجزاءً من روايتها الشبابية الصادمة منقولة بالحرف الواحد من أعمال كتاب آخرين، دون أن تشير الكاتبة إلى ذلك بالطبع. ومن بين الكتاب الذين نقلت عن أعمالهم مالهول لوري, وكاثي آتشر, ودافيد فورستر والس. ولكن لم تكن تلك «الاقتباسات الطفيفة» هي سبب الضجة الكبيرة. فقد قامت هيلينه هاغيمان بنقل ما يصل إجمالاً إلى نحو 20 صفحة من المدوّن الألماني الذي يحمل اسماً مستعاراً هو «أيرين»، وتحديداً من روايته المجهولة إلى حد كبير بعنوان «شتروبو». اعترفت دار النشر «أولشتاين» التي طبعت رواية هاغيمان بهذه السرقة، وأضافت في الطبعة الجديدة الرابعة قائمة في آخر الكتاب تضم كل العبارات التي «اقتبستها» الكاتبة الشابة. ولكن هل ترفع هذه القائمة تهمةَ السرقة الأدبية عن هيلينه هاغيمان؟ وما هو الحد الفاصل في الأدب بين السرقة الأدبية, والنقل عن الآخرين، وبين التناص وإدماج عبارات من أعمال أخرى في النص الأدبي؟ «الكتابة الأدبية ترتكز دوماً على القراءة»، يجيب الكاتب رولاند كوخ الذي يدرس في جامعة زيغن مادة «الكتابة الإبداعية»، ويضيف قائلاً: «الأساس هو القراءة، وكل ما أقرأه يدخل في يوم ما فيما أكتبه أيضاً. ولكن أن يجلس كاتب وينسخ صفحات بأكملها حرفاً حرفاً، فهذا بالطبع شيء سخيف ومُخجِل.»
الكتابة كشكل فني تقتبس دوماً مما سبق وكتبه الآخرون، هذا ما يؤكده كوخ الذي يستشهد بآراء الكاتب المشهور رولان بارث: «لم يعد هناك وجود للكاتب العبقري الذي يبدع كل شيء. لقد أصبح الكاتب يأخذ ما يكتبه من وسائل الإعلام, ومن حياته اليومية، ومما يقرؤه ويسمعه ويراه. لقد كتبتُ على سبيل المثال قصة قصيرة بعنوان «الليالي المضيئة». وهناك رواية لدوستويفسكي تحمل العنوان ذاته. كما أن قصتي وثيقة الصلة برواية الكاتب الروسي، فالمناخ والأجواء والشخصيات والمكان كلها متشابهة. لكن قصتي ليست سرقة للرواية، بل استلهام لما كتبه دستويفسكي.»
يضم تاريخ الأدب قائمة طويلة من الأدباء المشهورين الذين اقتبسوا مما كتبه زملاء لهم. غوته مثلاً استلهم بعض الأفكار عن صديقه شيلر، بل إن توماس مان ألّف كتاباً بأكمله عن النصوص التي اقتبسها من آخرين, واستخدمها في روايته «دكتور فاوستوس». لقد زالت حدود كثيرة في عصر ما بعد الحداثة بين الاقتباس المشروع والسرقة المشينة؛ رغم ذلك فإن السؤال ما زال مطروحاً: أين تنتهي حرية الفن، وأين تبدأ سرقة الأفكار؟ هذا السؤال ليس جديداً، ولكنه بات مطروحاً بشدة بعد رواية هيلينه هاغيمان التي اقتبست مقاطع بأكملها من كتب وأفلام وأغانٍ. الفارق – يقول أهل القانون – هو في ذكر المصدر أو إغفاله: من يستشهد بأقوال الآخرين ويقتبس عنهم، لا بد أن يشير إلى المؤلف الأصلي. وهذا – تحديداً - ما لم تفعله الكاتبة الشابة هيلينه هاغيمان.