- بدأت بالشعر لأن والدي – رحمة الله عليه – كان شاعرا، ونشأت في بيئة تهتم بالشعر. أول دفقة تأتي حين نكتب هي دفقة الشعر، والحق أن الشعر يلبي رغبة تدوين الإحساس المفاجئ رأسا، فأقبض عليه كما هو. هكذا بدأت، وبعدها توالت المراحل، فجاءت فترة الأحلام والحب الذي لم يكن ممكنا في مجتمعنا المحافظ. كنت أعبر عن الكبت الذي أعانيه من خلال قصائد لم أنشرها مطلقا. عندما توجهت إلى القصة والرواية وجدت أن السرد يعطيني أفقا أرحب للتعبير عن مشكلات المجتمع، فالقصة تستوعب قضاياي وقضايا مجتمعي بأكملها وفيها أخلق شخصيات أتحكم في مصائرها. هناك متعة أكبر في عالم القصة والرواية من حيث رحابة الفضاء وزخم الحياة.
ثم اكتشفت أن عالم الرواية عالم لا متناه, فعشقت هذا الفن الأدبي الذي كتبت فيه حياتي وحياة من حولي وحياة من ابتدعت شخصياتهم للتعبير عن معاناتي ومعاناة الإنسان الخليجي. ولكن لم أترك الشعر أبدا, اليوم, لدي ديوان شعري جاهز يتضمن قصائد كلاسيكية مقفاة, وهو النوع الذي يحبه أهل الخليج, وأخرى على نسق التفعيلة التي أميل إليها لأنني أجيد فيها. أرجو أن يرى هذا الديوان النور قريبا ليقرأه جمهور الشعر ويحكم عليه سلبا أو إيجابا.
القصة القصيرة أو ما أسميه شخصيا البرقية هي فكرة سريعة لا يستوعبها عمل كبير لأنها إشعاعات تضيء بذهني، فأصبها على طريقة الشعر لما تمتاز به من توقد و تجنيح. هذه التجربة بدأت في سورية أولاً، وقد استفدت منها على اعتبار أنها تمكنني من الجمع بين خاصية الاقتضاب والفكرة السردية العميقة التي تمرر حالات نفسية وأفكاراً فسيحة تتموقع بين الشعر والنثر. على أي حال، هي تجربة جديدة أخوضها لأول مرة ولست أدري كيف اندلعت في هذا القالب بالذات.
لا فن بلا حرية. هناك من يرضخ لشرط الحرية في الكتابة, فلا يراعي سوى ما يمليه عليه ضميره, وخياله فيكتب ما يجب أن يكون ويسجل موقفه من الحياة. وهناك من يتعاطى مع مقتضيات الرقابة. أنا أفضل الامتثال لشرط الحرية فقط, فلا أخضع لأي رقابة كانت ذاتية أو خارجية. التزوير فعل لا أخلاقي, وهو لا أخلاقي أكثر في الكتابة. أنا أكتب كما أرغب وأعبّرُ عن مواقفي ونفسي بكل صدق مع امتلاك كامل حريتي, وإن منعوا كتابتي فهم أحرار.
متاعبي تتلخص في المنع فقط، وهذا يؤلمني كثيرا لأن قارئي في بلدي محروم من بعض مؤلفاتي. هذه مأساة حقيقية بالنسبة لي. أما في الخارج فرواياتي تطبع وتوزع دون أي رقابة أو مشكلة. لم أصادف ناشرا واحدا اعترض أو رفض طبع أعمالي بسبب المنع الذي تعرّضت له في بلدي. بل على العكس تماما، فالناشرون يعرفون بأن كتبي الممنوعة ستباع بسرعة وتعود عليهم بالكسب. أنا لم أتعرض في حياتي لأي نوع من التهديد من الدولة ولم يفرض علي أحد أي موضوع. المشكلة الآن هي مع الأحزاب المتشددة لا غير.
في الكويت حركة متقدمة جدا في الفن التشكيلي وهناك فنانون ممتازون في الرسم والنحت. وفي مجال الشعر، هناك ديناميكية حقيقية وتجاوب كبير من الجمهور الذي يتابع الأمسيات بكل شغف. أما القصة والسرديات الأخرى، فهي لا تحظى بنفس الاهتمام وهي أقل حضورا من الشعر، ومرد ذلك طبيعة المجتمع الخليجي. الجيل الجديد من شعراء الكويت جيل متفجر للغاية، ومنهم من أخذ - للأسف - الحداثة من باب الغموض والإبهام و الغرابة، وهذا ما جعل المتلقين يعرضون عن إنتاجهم. أما الشعراء الذين يكتبون القصيدة الخليلية، فالتفاف الجمهور حولهم ما يزال يشكل الحالة الطاغية عندنا. أما القصة والرواية، فالتفوق يعود للمرأة بلا منازع وهذه مفارقة عجيبة. صحيح أن هناك روائيين، إلا أن المرأة تملأ الساحة الثقافية في الكويت, حيث تكتب في أهم المشكلات الحسّاسة كموضوع مجتمع البداوة والحضر ومسألة «البدون». كتابات المرأة الكويتية تتميز بشجاعة التعرّض للقضايا الشائكة والحساسة دون أي مواربة.
إجمالا، هناك حركة فنية وثقافية كبيرة في جلّ مجالات الفن ماعدا المسرح والسينما اللذان يعرفان تأخرا مقيتا. نطمح اليوم إلى أن نكون ثقافيا الأفضل, وأن نسترجع الأيام الزاهرة التي عرفتها الكويت أثناء السبعينات وبداية الثمانينات حيث كان كل شيء منتعشا. للأسف وبكل صراحة أقولها، منذ مجيء الأحزاب السلفية تأثر الإبداع الكويتي والحياة السياسية والثقافية سلبا. ولكن بالرغم من كل شيء، فالكويت ليس بلد نفط وحسب، بل هو بلد للثقافة والفنون والإبداع،
الآن وأنا أعايش ما يحدث في العالم والمجتمعات العربية من إرهاب وتفرقة بالأديان أهتزّ من أعمق أعماقي. أنا ضدّ هذه الظاهرة، لأن تنشئتي وتعاليم والدي كانت تدفعني إلى احترام كل المعتقدات وجميع الأديان. يؤلمني هذا التناحر الذي يحدث في مصر ولبنان والجزائر وحتى فيما بيننا من مذاهب. روايتي الجديدة تتحدث عن الموت عند المسيحيين والمسلمين وهذا من خلال صديقتين إحداهما مسيحية والأخرى مسلمة وكيف حافظتا على صداقتهما دون التأثر بما يحدث من حولهما. روايتي الجديدة دعوة للسلام والمحبة وهي دعوة للتقارب الديني.