لم يستقر بعد عند ست أو سبع فقط، والمعلن من الملابسات ربما يزداد وضوحه ليزداد، في الوقت عينه، منسوب الفضيحة، ويجر الموساد معه كل من تعاون في التنفيذ (من غير حملة الجنسية التي إليها ينتسب عملاء وأعضاء شبكة المخابرات الصهيونية).
فالجوازات (السليمة والصحيحة) التي استخدمت في الجريمة والتي كانت بريطانية وإيرلندية واسترالية وفرنسية بالدرجة الأولى- لاتقول إن الموساد (سرق) هويات أشخاص لاصلة لهم بالجريمة، ولا تقول إن الموساد قام بتزوير الجوازات (وبطاقات الائتمان)، كما أن (عمليات التخفي) التي قام بها المجرمون تقول إنهم من حمل الجوازات وبطاقات (الائتمان)، وإن هناك عمليات تدريب على (استخدام الماكياج) إضافة إلى محاولات أخرى للتمويه (ارتداء قبعات) مثلاً، أو سراويل رياضية- مع مضارب.. الخ وكل ذلك يقول إنهم القتلة وإنهم ربما يكونون من أكثر من دولة- وربما أيضاً من عملاء (مزدوجين- أو من بين نحو نصف مليون صهيوني يحملون الجنسية المزدوجة).
هذا وسواه ما أثار حفيظة تل أبيب ومن يسندها دائماً، لذلك تفتقت الأذهان عن عمليات تضليل- ذات أهداف مزدوجة: فمن باب هناك محاولة لإثارة الفتن والشكوك- بين أبناء فلسطين وجرهم إلى معارك جانبية أخرى وخاصة بين رام الله والقطاع المحاصر- ونسيان الجناة القتلة وإزاحة العيون عن رؤية مايدبره المحتلون ضد عروبة الضفة الغربية عموماً والقدس والخليل خصوصاً وتعمد التعتيم على معاناة مليون ونصف مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة ،ومن باب آخر هناك محاولات تعتيم على مجريات وقرارات التهويد التي طالت أماكن فلسطينية (في الضفة الغربية)- منها الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح- وهما مكانان مقدسان للمسلمين- وقد تم احتلالهما من الصهاينة في عدوان عام 1976، مايجعلهما - كما بقية ماتم احتلاله من قبل تل أبيب- خاضعين لنصوص القرارات والقوانين الدولية التي تحرم وترفض الإقرار بأي تغيير يجريه المحتلون على أي من الأراضي التي يتم احتلالها.. أي المستوطنات- والتغييرات التهويدية وفي القدس والقرارات الخاصة بضم (الجولان) السورية التي رفضت بقرارات من المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
إن مايجري اليوم يهدف أيضاً إلى تضييع (الدم الفلسطيني) وتوزيعه بين (القتلة- القبائل) وفي الوقت عينه يقوم المحتلون بتنفيذ مشاريعهم المجرمة في القدس- تمهيداً لطرد أهلها وهدم الأقصى و(بناء هيكلهم المزعوم في مكانه) وجعلها كلها يهودية.
ونذكر هنا أن الكنيست الصهيوني أعتم إقرار قانون (تحريم) و (منع) استذكار (النكبة) من قبل أهلنا في المحتل من وطننا عام 1948، إن الخامس عشر من أيار (يوم نكبة فلسطين) هو (عيد) الغاصبين الذين أعلنوا فيه قيام (دولتهم) وحازوا دعم واعتراف (أكابر المستكبرين) في مجلس الأمن- بعد أن أقرت الأمم المتحدة جريمة منح (حق) لليهود في فلسطين بقرار التقسيم قبيل إعلان دولتهم بنحو سبعة أشهر.
ولن يكون غريباً عن المتتبع أن يكتشف أن معظم الجهات التي أسهمت في جريمة الاغتيال كانت أسهمت أيضاً في جريمة احتلال العراق- مشاركة فعالة- كبريطانيا واستراليا مثلاً.. وأما مصدر التمويل- هذه المرة- فكان أحد بنوك الولايات المتحدة وحتى هذه الخطوة تشير إلى الفاعلين المجرمين- الموساد- فثمة محاولة تعمد عدم الزج بالولايات المتحدة في جريمة (البستان).
وإذا كان جهاز الموساد قد خطط لهذه الجريمة- وحصل على توقيع (نتنياهو) كضرورة للتنفيذ في خارج الأراضي المحتلة- فإن الجريرة أيضاً تقع على عواتق أولئك الذين أسهموا في تضليل العدالة- وتنويع وتوزيع مصادر القتل وتشعيب التضليل عمداً (لعل وعسى) دون جدوى.
تصرفات المأزومين في تل أبيب لاتعني إطلاقاً أنهم استعادوا زمام المبادرة- وهم يتصرفون على نحو هستيري بغية التضليل والتعمية من جهة وإثارة المزيد من الانقسامات في الصفوف الفلسطينية، من جهة ثانية، وإذاً ليس عيباً أو غريباً وجود اختراق هنا وهناك، ولكن العيب هو الفشل في كشف الاختراق أو التغاضي عنه، بيد أن العار- عار جريمة الغدر والاغتيال- لايجلل الموساد وحده بل هو سيقمط ويلف جميع أجهزة وحكومات المخابرات التي سهلت الجريمة ومنحت القتلة جوازات السفر.. السليمة- وحتى لو تم الأمر بالتحايل وحده- إن عالجنا المسألة من خلال (حسن النية)، وعلى كل حال لابد من انتظار النتائج وردود الأفعال- الحقيقية والملموسة حيال (استغلال) الموساد البشع للعلاقات الودية والتحالفية مع عديد من الدول الراعية والمساندة لدولة الغدر والغصب والعدوان.
nawafabulhaija@yahoo.com