|
قراءات في الصحافة الإسرائيلية.. عملية اغتيال المبحوح ... نجحت ولكنها أسقطت هالة الموساد ترجمة فيما لاتزال القضية ذاتها، الشغل الشاغل للصحافة الإسرائيلية ولاسيما بعد نجاح شرطة دبي في كشف المزيد من التفاصيل حول القضية والتي لم يسبق لأي قضية أن حظيت بمثل هذا الاهتمام في الصحافة الإسرائيلية منذ فضيحة الموساد في مصر المعروفة بفضيحة «لافون» في الخمسينيات. عملية هواة فاشلة فشعور الجمهور والزعامة السياسية في إسرائيل بالرضا، وكيل المديح لجهاز الموساد ومن يقف على رأسه، سرعان ما تلاشى ليحل محله شعور من الإحباط والفشل، لتسقط الهالة الكبيرة التي يحاول زعماء إسرائيل إضفاءها على الموساد وقادته، خاصة بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده قائد شرطة دبي ونشرت خلاله صوراً وأشرطة فيديو مصورة لأفراد مجموعة الاغتيال، ما حول العملية إلى عملية «هواة فاشلة» بحسب معاريف، وبالتالي وضع الموساد وحتى المؤسسة السياسية الإسرائيلية في مرمى سهام النقد القاسية، إذ لم تتورع الصحف الإسرائيلية عن وصف العملية بأقسى وأشد أوصاف الفشل والخذلان وكذلك الشارع الإسرائيلي الذي لم يعتد انكشاف خلايا الموساد بشخصياتهم وصورهم كما حدث في دبي. من هو البطل الحقيقي؟! وتلقفت الصحف الإسرائيلية كافة الصور التي وزعتها شرطة دبي، التي أدهشت الإسرائيليين بقدرتها على الربط بين كافة خيوط الجريمة ورسم صورة مسرحها واكتشاف القتلة وفضح صورهم وطريقة تزييف جوازات السفر لدرجة جعلت الإسرائيليين الذين ادعوا أن عملاء الموساد انتحلوا شخصياتهم دون معرفتهم، حبيسي منازلهم، وشعور الخوف لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على الذهاب إلى الدكان بحسب إيتان هبار الذي نشر تعليقاً صغيراً في صحيفة «يديعوت أحرونوت» تحت عنوان: «حتى إلى الدكان لا يمكنهم الذهاب». فيما أثنت معظم تحليلات الصحف الإسرائيلية على شرطة دبي وقدرتها على ربط خيوط المؤامرة من أشرطة الفيديو إلى الصور الفوتوغرافية وصولا إلى تسجيلات المحادثات الهاتفية لرسم الصورة الكاملة لتفاصيل الجريمة، وكشف هوية المجرمين دون أن يغفل مهاجمة الجهة التي نفذت الجريمة ممتنعاً عن ذكر الموساد بالاسم لاعتبارات سياسية ورقابية أمنية. فقد كتب رونين برغمان في يديعوت أحرنوت بهذا الخصوص: «أن شرطة دبي هي البطل الحقيقي لعملية الاغتيال، وأن من أرسل فريق الاغتيال لم يتوقع تمتع شرطة هذه الإمارة بالذكاء والقدرة على كشف خيوط الجريمة، وإذا صح هذا التقدير فإن الحديث يدور عن فشل حقيقي واصفا الأيام الأخيرة التي مرت على مجتمعات المخابرات الدولية بالتاريخية والعاصفة التي تركت خلفها سؤلاً كبيراً كيف استطاعت شرطة دبي ربط كافة الخيوط والخروج بالصورة الكاملة التي شخصت ورصدت القتلة خلال تنفيذهم للجريمة؟». نكتة ثقيلة ويضيف برغمان: «بكل بساطة يمكن القول: إن عملية الاغتيال ورغم نجاحها في تحقيق الهدف الرئيسي «تصفية القائد الحمساوي» تحولت داخل أروقة المخابرات ودهاليز السياسة الإسرائيلية، وكذلك على صفحات الصحف إلى نكتة ثقيلة الدم على قلب مئير دغان وجهاز الموساد عموماً، فبعد الاحتفال المتسرع بالنصر النظيف جاء دور شرح أسباب الفشل الاستخباري الذي أدى إلى حرق فريق اغتيال كبير مكون من أحد عشر عميلاً خرجوا جميعا من دائرة الفعل الميداني بسبب نشر صورهم والتعرف على شخصياتهم، إضافة إلى الضرر الكبير الذي لحق بشبكات أخرى منتشرة في أوروبا ودول عربية وقطاع». ويذهب صحفيون إسرائيليون آخرون لتحميل الجهاز السياسي في إسرائيل، وخاصة الحكومة ورئيسها مسؤولية مايحصل الآن من تداعيات في أعقاب عملية الاغتيال وعلى ضوء استدعاء بعض الدول الأوروبية لسفراء إسرائيل من أجل الاستيضاح حول استخدام الموساد لجوازات سفر خاصة برعايا هذه الدول، إذ كتب يوئيل ماركوس في هآرتس مقالا تحت عنوان «بيبي»: أنه إذا كانت صحيحة الأنباء أن إسرائيل ضالعة في (عملية اغتيال المبحوح) في دبي، من الصعب أن نفهم كيف أن بيبي (بنيامين نتنياهو) الذي يأخذ جانب الحذر الشديد إزاء الفشل والتورّط، يمكنه أن يصادق على مثل هذه العملية. أولا، بمجرد القرار بتصفية المبحوح حين توقعت دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا هذا الأسلوب، في عالم باتت فيه الرقابة متشددة، الاستخبارات الإلكترونية منتشرة، حتى تفاصيل التفاصيل ومن الصعب عدم الانكشاف. ثانياً، من ناحية الكلفة حيال المنفعة، أولم يكن من المفضل ملاحقة المبحوح الذي اشتغل في مجال المشتريات لكشف مصادر مشترياته ومساراتها، بدلاً من تصفيته؟ ثالثاً، على فرض أن كل مصفى يوجد بديل، هل تساوي التصفية الثأر الذي هو أحياناً كبير جداً؟ أنظروا العملية الفتاكة في الأرجنتين كردٍّ على تصفية زعيم حزب الله السابق عباس الموسوي. وانتقد الكاتب اختيار دبي المليئة بشبكة مكتظة من الكاميرات كساحة للتنفيذ، قائلاً: لا أدري من صادق على العملية في أيام المشكلة الأمنية الأساسية فيها هي إيران؟ يمكن التخمين، أنه من دون تصديق رئيس الوزراء ما كانت لتنفذ. ومع مراعاة الحذر الشديد الذي يتخذه كي لا يفشل، من المفاجئ أن هذه المرة أدى دور العميل بسبعة أخطاء. الخسارة أكبر من الانجاز بدوره تساءل بن كسبيت في معاريف كما في اغتيال موسوي ومحاولة اغتيال مشعل الفاشلة، بعد اغتيال المبحوح، كيف ومن أجاز عملية الاغتيال. ويقول: إن من الصحيح أن المبحوح قد اغتيل، وأن العملاء عادوا إلى قواعدهم بسلام، لكنهم بالمقابل لا يستطيعون الآن التجوال في العالم، وإذا كانوا قد اقتطعوا من وحدة التصفية في «الموساد» التي تسمى «كيدون»، فإن الوحدة قد فقدت جزءاً ذا شأن من قوتها. كما أن بريطانيا وإيرلندا ودولاً أخرى، التي صداقتها «لإسرائيل» مهمة، انتابها الغضب، علاوة على أن «إسرائيليين» غافلين تبين لهم أن هوياتهم استعملت. وليس هذا بسيطاً». ورغم أن الاتجاه السائد في إسرائيل هو القول: إن الضجة القائمة في العالم حول جوازات السفر سوف تتلاشى بسرعة، عملاً بالقاعدة المتبعة بين الموساد وكثير من أجهزة الاستخبارات الغربية بالموافقة الصامتة على عمليات الموساد ضد حماس، فإن هناك من يشدد على أن الخسارة كانت أكبر بكثير من الإنجاز. وكما يقدر بعض الخبراء في الشأن الأمني الإسرائيلي أن الإنجاز الإسرائيلي كان تكتيكياً، لكن الإخفاق فعلياً كان استراتيجياً. فيما ذهب بعض المعلقين للقول: إن أداء الموساد الفعلي كما تبدى بالصوت والصورة، كان أقرب إلى فعل الهواة منه إلى فعل المحترفين. يوسي ميلمان المعلق المعروف للشؤون الأمنية في صحيفة هارتس رأى أن: «الأمر مسألة وقت وأموال إلى أن تتمكن بيروت ودمشق وعمان من نصب شارات ممنوع الدخول للنشاط السري على أراضيها. فعندما تتحول هذه إلى مدن ذكية، أي عندما تنشر تكنولوجيا متقدمة وتنشر شبكات من كاميرات الأمان، فإن ما هو متوفر اليوم لن يبقى كذلك. فرغم عداء الأنظمة العربية فإن رجال الاستخبارات الإسرائيليين، وخصوصا الموساد، لم يتعذر عليهم في الأربعين عاماً الأخيرة التغلغل في عواصمهم. ويخلص ميلمان إلى أن عهداً بكامله قد انتهى فعلياً أو على وشك الانتهاء. أما عوفر شليح في معاريف فيعتقد أن التقنيات الحديثة المستخدمة اليوم تجعل من عمليات الموساد أكثر تعقيداً وصعوبة، وخصوصاً إذا ما عممت تجربة دبي في كثير من العواصم الذي يرى الموساد فيها ساحة رئيسية لعمليات الاغتيال المشابهة: الأمر المثير للاهتمام في قصة المبحوح ليس الهوية الحقيقية للعميلين «كيفن» أو «غيل» وإنما العالم الجديد للمراقبة وتحليل المعلومات الذي تبدى لنا. فشرطة دبي التي لا تحظى بذرة من الهالة التي تحيط بالموساد، أفلحت بصبر وأناة وحكمة في أن تركب سوياً صور كاميرات مختلفة في المطار وفي الفندق، وشذرات من مكالمات هاتفية على جهاز الهاتف الخلوي ومعطيات نظام مراقبة الجوازات, من أجل أن ترسم مسار القتلة. الأخ الأكبر.. يرى ويفهم أيضاً إن من أرسل هؤلاء أخذ بالحسبان أن هناك كاميرات في الفندق، والدليل هو القبعات والشوارب، لكن لم يخطر بباله أنهم عندما يقولون: إن دبي «مدينة آمنة» يقصدون فعلاً الأخ الأكبر الذي لا يرى فقط، وإنما يفهم أيضاً ما يرى. في الخلاصة، يجمع المحللون الإسرائيليون وجميع كتاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية على أن عملية اغتيال المبحوح قد نقل العالم دفعة واحدة إلى العصر الجديد الذي لن يكون ممكنا فيه عمل أي شيء سري دون تفوق تكنولوجي يسمح بالتشويش و التحكم بمخازن المعلومات والصور. في الوقت الذي أكثر فيه معلقون إسرائيليون على شاشات التلفزيون من حني هاماتهم احتراماً وتقديراً لشرطة دبي وقائدها الفريق ضاحي خلفان. وينبع هذا التقدير، على وجه الخصوص، من نجاح شرطة هذه الإمارة، وتحت الأضواء، في أن تعرض على العالم بأسره، بالصوت والصورة، حقيقة أسطورة يحاول جهاز الموساد الإسرائيلي بناءها في الظلمة، فالدقة والسرعة التي أظهرت فيها شرطة دبي قدرتها على استعادة رسم صورة ما جرى أنتجت فيلماً حقيقياً بحبكة درامية حول الجريمة الإسرائيلية وبتركيز على الوجوه والأسماء. حرب باردة في الشرق الأوسط وهناك من تناول عملية الاغتيال من زاوية واسعة كما فعل ألوف بن في مقالة تحت عنوان: حرب باردة في الشرق الأوسط: قائلاً: «تصفية محمود المبحوح في دبي، المنسوبة إلى إسرائيل، كانت تعبيراً آخر عن الحرب الباردة، التي تدور رحاها بكل القوة بين إسرائيل وإيران. القوتان الإقليميتان العظميان تتصارعان على القوة والنفوذ في الشرق الأوسط، تهددان بالإبادة المتبادلة وتزعجان الواحدة الأخرى في عمليات سرية. المواجهة بينهما تدور حول ذلك منذ سنوات عديدة، ولكن في الشهر الأخير احتدمت التصريحات عن حرب ساخنة من شأنها أن تندلع في «سنة الحسم 2010» الادارة الأمريكية تحاول الآن تهدئة الخواطر، تلطيف الأمور، منع الانفجار. هذا هو التحدي الإقليمي لباراك أوباما . فيما اعتبرت سمدار بيري في يديعوت أحرونوت أن تداعيات اغتيال المبحوح قد وضعت قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أمام عهد جديد لايستطيعون خلاله المحافظة على الغموض والهالة التي يحرصون أن يحيطوا أنفسهم بها: «يحبون في أروقة الموساد الحديث عن داني يتوم، رئيس المنظمة سابقاً، الذي كان يجب عليه في أحد أسفاره إلى الخارج أن يطمس على هويته وتنكر بجمة (باروكة) على رأسه. في مطار بن غوريون التقاه صديق خدم معه في الجيش ولم يره منذ التسريح، أي منذ 20 سنة. جرى الصديق نحو يتوم المتنكر والمغطى بأذرع مفتوحة. «أهلا داني، ما الذي تفعله هنا سأل وجهد في أن يضيف «لم تتغير حقاً» إن جمة الشعر التي زيدت على صلعة يتوم أعادت إليه شيئاً من منظر شبابه، لكنها أحرقته في لحظة. يقولون في الموساد: إنه من حسن الحظ أن هذا حدث في مطار بن غوريون لا في مطار أجنبي. في دبي، في مقابل ذلك، لم يعرف أحد حقاً المغتالين ال 11 أو ال 17 كما تزعم «تايمز» اللندنية لمسؤول حماس الكبير محمود المبحوح، لكن عدسات تصوير الحراسة المنتشرة في كل ركن التقطت تقريباً كل حركة لهم منذ لحظة نزولهم، وإلى تجوالهم في الفنادق وفي مراكز الشراء، وإلى أن طرقوا باب غرفة المبحوح.
|