تكتشف أن السيناريو هو فن لا يختص بالدراما ، بل تنمو له استطالات نحو صيغ إعلامية ذات غايات ورسائل وشيفرات.. يومأ بها إيماء.
يمكن تعميم الحالة استنباطاً لقاعدة يعمل بها، حينها كل ما هو ظاهري ، بسيط الفهم، غير مغرض.. كما يبدو للوهلة الأولى.. سيكون ذا وجه عميق، باطني، يخالف رداءه الظاهري.
أسلوب إعلامي.. دعائي .. خطير، ومكمن خطورته- سطحيته، تفاهته، سذاجته- ينبع من كونه يبث أهدافه وأغراضه بعيدة المدى ، بطرق غير مباشرة.. يهدهد للمتلقي يغفيه على نغمة تسعى تنويمه مغناطيسياً .. وعندما يتأكد أنه أصبح لقمة سائغة يباشر بقذف نواياه المضمرة..
هل يبدو هذا كلاماً خرافياً قياساً لبعض من برامج القنوات العربية.. هل صحيح أن بعض المقدمين يستضيفون نجوماً وفنانين وقوعاً تحت غواية إحراجهم وتصغيرهم وفقط.. أليست لعبة إعلامية باتت مستهلكة.. فارغة.. ومكشوفة..
ماذا لو بالفعل ظهروا بمظهر من ينفي ويدين.. وهم حقيقة يباركون مسعى وممشى من يمثل قبالتهم..
خواطر.. تغزو تفكيرك لو جلست.. دققت وتفحصت غايات برنامج من مثل ( بدون رقابة) في حلقته التي التقت خلالها وفاء كيلاني الفنانة الراقصة فيفي عبدو.
الحلقة كانت كما سابقاتها من حلقات علا فيها صوت الطرفين ، بحجة النقاش والحوار وإثبات وجهة نظر خاصة. مع ( فيفي) ازداد الصوت ارتفاعاً أنثوياً ناعماً لكن مدوياً .. وصل حد الزعيق والبعيق.. ( وبالبلدي المصري) الذي لم يموه على الرغم من كلمات ومفردات غربية يرشها المتكلم في ثنايا حديثه تأكيداً على أنه عصري.. حداثوي النبرة والصوت والتون وكل شيء .. كائن فضائي ابن فضائي مئة في المئة.
وكما العادة.. لم تجد الكيلاني أي حرج من الغوص في خصوصيات الضيف .. تنبش.. تفلش.. تنكش.. تسأل عبدو عن عدد زيجاتها.. الشرعية والعرفية..
( هل كانت العصمة بيدك .. وكم دامت أطول زيجاتك..)
إلا أن( فيفي) كانت لها ليس بمرصاد واحد.. إنما بمئة مرصاد.. صدت كل هجمات وفاء ( الظاهرية) ، بسحبة نفس واحدة.. دون رفة عين.
ومع أن الكيلاني بدت متحمسة كثيراً لكل سؤال طرحته.. لكل محور فتحته.. وأبدت شجاعة في محاولات نقل رأي المجتمع الشرقي فيمن تمتهن هذا الرقص..
وما لديه من نظرة تدين ( الرقاصة) واعتبارها كائناً ( جنسياً)، إلا أنها أبدت مرونة ( خفية) تجاه عبدو، سمحت أكثر من مرة بأن توجه دفة ( النقار) كما رغبت ( فيفي) .. التي استغلت كل برهة وكل لحظة منحت لها..مدافعة .. مستنكرة .. داحضة كل الأقاويل التي تنال من سمعة وشرف فنانة الهز الشرقي..
المهم..
لن يصعب على متمعن إدراك أن غمزات .. مشاكسات .. مناكفات وفاء لم تكن إلا من باب ( فتح سيرة) واعطاء الطرف المدان سلفاً، فرصة لرفع الحيف عنه.. تنفشه .. تنفخه جاعلة منه بطلاً ..
يؤكد ذلك تلك المساحات الواسعة التي أتيحت أمام عبدو التي شرقت وغربت خلالها على هواها.
( بدون رقابة) مع عبدو، كان وسيلة ليس إلا، لمنحها منبراً يصوب نظرة خاطئة ومظالم علقت بها وبشخصية ( الراقصة) في مجتمعنا الشرقي.. ومع ذلك لم يتضح فيه ما هو الذي يحتاج الى رفع الرقابة.
صحيح أن وفاء غيرت عنوان برنامجها من ( ضد التيار) إلى ( بدون رقابة) إلا أن ملامح أفكار الأول لم تزل تلوح في أفق كل حلقات الثاني.. ضيوفها/أبطال حلقات برنامجها( أمثال عمر أديب ، وائل الابراشي..) تنتقيهم بعناية مخرج سينمائي يهوى اكتشاف ممثل يرفع من سويعة عمله.. أبطالها ضد التيار يسيرون ..وخطوط رقابة ( وهمية) يخترقون..
الحلقة الوحيدة التي تحررت وناقشت فيها فكرة الرقابة خارج حدود الاستوديو كانت الحلقة التي استضافت خلالها أطفالاً متميزين، متسائلة.. هل يحظى هؤلاء ( بالرقابة) اللازمة والمطلوبة من الأهل والمؤسسات الحكومية ..
ولتأخذ ( الرقابة) هنا معنى ( الحصانة)..
على فكرة..
ألا تلاحظون أن (الحصانة) هي غاية أكثر من مبطنة .. أرادت إحاطة بعض من ضيوفها بها.. لكن بالأسلوب السيناريستي .. التكتيكي .. المموه ( إياه) ..