وتعرّفت على قوى الدفع نحوها إنْ كان عبر العوامل الداخلية, او كان عبر العوامل الخارجية, وفي هذا المجال كم سِيقَت أقطار عربية إلى مشاريع غربيّة, واستعمارية تكشّفت غاياتها عن الإرادة الصّريحة في خدمة المشروع الصهيوني العنصري الإحلالي التهويدي, ولم تتمكن الدوائر الصهيوغربيّة من أن تأخذ سورية إليها؛ كذلك لم تستطع أن تدخل إلى سورية فيها.
وبقيت هذه الرقعة من أرض العرب عصيّة على المشاريع المذكورة, وقلعةً حصينةً للكفاح العربي المنسجم مع مبادئ الأمة العربية, ومصالحها القومية العليا, وطموحات إنسانها في تحرره, وتقرير مصيره بإرادته الخالصة على أرضه. وما تشهده سورية اليوم, يجيءُ تحت شعارات الحرية, والثورة, والتغيير, والدمقرطة, لكن السلوك إليه آتٍ من فضاء وصفه أدونيس مؤخراً حين قال: « سياسة يقودها شرطي كونيٌّ باسم السلام, والحرية, وحقوق الإنسان, عَبَثٌ ساحر يحوِّلُ العالم إلى فضاء ليس فيه غيرُ أنابيب تنفثُ دخان الحروب... ثَمَرٌ ربيعيٌّ يتساقط غباراً بين خطواتي, ولا أرى نجمةً تقلّني لكي ألحق بفرس الوقت... ثمة حروفٌ تُكْتَبُ خطأً, وها هي بسلطة الخطأ تمحوني... الموتُ آخر مقصٍّ للورق الذي نرتجله لنقصَّ عليه أحلامنا ... عصرٌ عربيٌّ يزدهي بغباره... ربما لم يعد ثمة مكانٌ لريحٍ عربيةٍ إلا إذا هبّتْ من الغرب, وها هي العروبة جسمٌ يكشط جلده, ويمدُّه فِراشاً للهول».
نعم تصل الدهشة إلى منتهاها عند الشاعر والمفكر, والمواطن صاحب العفوية الوطنية الصادقة, والمخلصة خاصة حين تتحول المطالب المحقّة للشعب إلى ذريعة للقفز فوق الواقع الوطني, واستبعاد الحلم الشعبي باسم الحرص عليه فمن يحرص على حرية الشعب في سورية كيف لايحرص عليها في فلسطين, والأراضي العربية المحتلة, ومن يحبُّ الدولة الوطنية العادلة كيف يسمح بالعمل المسلح ضد الشعب يقتل المارّين في الطريق, ويخطف المسافرين في الحافلات, ويغتال المفكرين في كل اختصاص ينتظره الوطن من أجل المزيد من التقدم نحو المستقبل ؟!! والأكثر غرابة أنهم يقررون عن الشعب ماذا يريد, ويتحدثون أمامه عن الحرية في اللحظة التي كانوا قد قرروا فيها مَنْ سوف يحكم هذا الشعب قبل أن تبدأ أية عملية انتخابية, أو احتكام إلى صناديق اقتراع. نعم على أرض من العالم يجب أن تبقى لهم أي (الصهيوأميركيون, وأوربيون، وعرب مستتبعون) يجب أن تقاوم كافة مظاهر الإرهاب ويجب أن يقتل الإرهابيون, وقد شكّلوا تحالفاً دولياً ضد الإرهاب. وفي دولة مستقلةٍ تقرّر أن تخضع لسلطانهم يرسلون المجموعات المسلحة أليها, ويدعمونها, ويوفرون لهم أهم وسائل الحرب التدميرية للدولة والناس. يتحدّثون عن حقوق الإنسان ويتضح أنها حقوق الصهيو أمرو أوروبيين في ان يفعلوا ما يشاؤون دون قانون دولي إنساني يحدُّ من تسلّطهم, ويتّهمون الذين يريدون تدميرهم – ولو قُتِلوا – بأنهم القَتًلةُ. ويُرسلون البعثات لاستقصاء الواقع الحقيقي على الأرض شريطة أن ترى بعيونهم, فالواقع بالوقائع التي يرونها هُمُ, لا بما يحصل للشعب. وكلما أشرفت بعثة على أن تتلمّس الحقائق بحواسها الخمس خلقوا أكاذيب وطلبوا منها أن تتوقف عن عملها, وتعود, فالحق ليس مطلوباً إظهاره إذا كان بقوة الحق, ما هو مطلوب فقط هو حق القوّة أي الحق الذي يعترفون به, وليس ما يعانيه السوريون. وعليه فقد سُحِبَ الدابي وتقريره الواقعي, ويُؤمر اليوم الجنرال روبيرت مود كي يتوقف عن مواصلة العمل, وتوضع العراقيل أما خطة عنان فالمطلوب أن تنفّذ خطتهم لا خطة عنان, ويقفون ضد المؤتمر الدولي الذي تدعو إليه روسيا, ويحتجون بأن الدولة في سورية لم تعد تملك سيادة على أرضها وشعبها, والحرب الأهلية في سورية بدأت, ثم حين يُظهر الشعب بأنه لا يزال يلتفُّ حول دولته, ويرفض تدمير وطنه يتحدثون عن طغيان دولة الاستبداد, ويتهمون الشعب بأنه يحميها, وهم يريدون أن يخلِّصوا الشعب من دولته كي يُدخلوه في دولةٍ فيها أشنع أشكال الاستبداد. إنها أطروحات متنافرة, ومتصادمة تُظهر أن الطرف الصهيو أمرو أوروبي ومعه المستتبعون العرب في أزمة, فلا هم مالكون للحقائق الواقعية لكي يتغير التراصف الشعبي, ولا هم مسالمون في حراكهم لكي يجف نبع الدم السوري, وندخل إلى الربيع الحقيقي، لا ربيع الفوضى المعممة, والإسلام السياسي المعوّم, وميديا التضليل الدولية... نعم ندخل إلى فضاء الحوار الوطني التشاركي السليم, لا فضاء الهجن الغارق في ممرات القراصنة الذين يمخرون في بحر دماء السوريين، وكلما اتضح أكثر فأكثر خيار الواقعية الوطنية للشعب, ازدادت مقابله ضوضاء التنصّل من كل واقعي, وارتفعت أصوات رصاص القتل, والترويع, والتدمير, وما يسترعي الانتباه أن الخارجية الإسرائيلية, وجهاز الاستخبارات أمان قد أطلقا منظمة اسمها « إسرائيل من أجل السوريين» لتمارس نشاطها في سورية بصورة سرية وغير قانونية, فهل يثير في اهتمامنا شيئاً هذا الحرص من العدو علينا, وهو المحتلُّ لأراضينا, والمدمّرُ لكل قوة يمكن أن تتوافر لدينا؛ هذا هو السؤال الأساس اليوم. وصدق من قال : ( أهكذا يريدك الغرب أيها العربي: قنديلاً مُنْطفِئاً يتدلّى من عنق تاريخ ينطفئ ).