تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التضليل الإعلامي وقتل السوريين الأبرياء

عن موقع : Le grand soir
ترجمة
الأربعاء 20-6-2012
ترجمة:دلال إبراهيم

منذ انهيار جدار برلين أحكمت وسائل الإعلام الأطلسية قبضتها على الرأي العام الغربي بدلاً من تراجعها بسبب تلاشي التهديد الشيوعي , ووصل الحد بتحكمها إلى درجة أنها غيّبت أي صوت مخالف لتوجهاتها لدى أقنية إعلامية مهمة أو بديلة .

واستكملت عملية التطهير الإعلامي في فرنسا , الدولة التي تعتبر أقل توجهاً أطلسياً من جاراتها الأوروبيات في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي بمساعدة شخصيات من المحافظين الجدد مثل كريستين اوكرانت أو فيليب فال (الإرث الذي لن يعتمد عليه الرئيس الفرنسي الأطلسي الجديد )‏

ونتج عن ذلك حالة إجماعية في المعلومات يمكن استيعابها إذا سلمنا بعدم كمالية الإنسان العاقل لو لم يكن الهدف الأساسي لها إخفاء الجرائم الجماعية التي كانت النخب الحاكمة في الديمقراطيات الغربية ترتكبها دون عقاب .‏

والجرائم الإعلامية هي جزء لا يتجزأ من الجرائم السياسية الأوسع نطاقاً التي تدمي المسرح الدولي حيث يستعرض قادتنا على خشبته عضلات قوتهم . ولولا التواطؤ الفعّال لوسائل الإعلام الأطلسية مع النخب الغربية لم تكن لتتحقق بتلك السهولة الحرب على العراق وأفغانستان ولا ذبح ليبيا ولا الانزلاق بسورية نحو الجحيم .‏

وضمن هذا السياق , ارتكب الإعلام جريمة عندما قرر الناتو مهاجمة أفغانستان في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول , نظراً لأن الإعلام رفض عن عمد طرح تساؤل عن دوافع إدارة بوش لشن هذه الحرب ووضع إشارة استفهام حول المسؤولية المباشرة للمحافظين الجدد في تلك الهجمات .‏

ويتحمل الإعلام مسؤوليته ويعتبر مجرماً لأنه عندما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بغزو العراق عام 2003 , استخدم بطيب خاطر المعلومات الكاذبة عن وجود أسلحة دمار شامل روجت لها الإدارة الأميركية .‏

ويتحمل الإعلام مسؤوليته عندما اخترع حكاية قصف القذافي لمدينة بنغازي من أجل غزو ليبيا, وعندما تركوا الزعماء الغربيين , دون تردد وتذمر , مدعومين معنوياً من بعض المفكرين الأطلسيين , يسلمون السلطة الليبية إلى ميليشيات وهابية مقربة من القاعدة ومهدت لحرب أهلية بهدف تحقيق الأهداف الجيواستراتيجية حيث لا الشعوب الغربية ولا الشرقية ستجني ثمارها ( المعنوية أو المادية ) .‏

وثمة جريمة إعلامية ارتكبتها هذه الوسائل عندما عزت مسؤولية مجزرة الحولة في سورية إلى القوات السورية أو ميليشيا موالية لها من أجل إسقاط نظام لا يستجيب إلى غاياتهم وأهدافهم في المنطقة . وثمة جريمة إعلامية هناك وهي تمكن الدول الغربية , دون إزعاج من جانب وسائل الإعلام , من تسليح الجماعات الإرهابية في سورية وتنظيم مجازر بحق المدنيين والدفع باتجاه حرب أهلية ودينية في بلد يعيش بسلام وأمان .‏

وتتحمل وسائل الإعلام مسؤوليتها في التزامها الصمت حيال دعم الولايات المتحدة للانقلاب الذي جرى في الهندوراس عام 2009 وغطى هذا الصمت المطبق على صرخات التعذيب .‏

وتنسحب هذه المسؤولية على الصمت الإعلامي أمام الآثار المترتبة على التقييد على الحريات الأساسية التي شرعتها إدارة اوباما عام 2011 والتي تسمح بالاحتجاز التعسفي ( للمواطنيين الأميركيين والأجانب ) كما كان سارياً في زمن الحكم الملكي المطلق في فرنسا .‏

وترتكب الوسائل الإعلامية جريمتها عندما لا تبحث في شرح الأسباب وما هي الأهداف الحقيقية للحرب على الإرهاب ولا سبب التحالف الغربي مع المدافعين عن الإرهاب الإسلامي (العربية السعودية وقطر )‏

وجريمة الوسائل الإعلامية في جميع تلك الأمثلة هي أنها اختارت طواعية أن تنصب من نفسها الناطق الرسمي للنخب التي ينتمون إليها أو التي يتماهون معها , نخب ترتكب , بصورة متكررة جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية تتنافى مع قيم التنوير .‏

ولا يعتبر العجز مبرراً كافياً من أجل استبعاد المسؤولية المباشرة لوسائل الإعلام في الجرائم التي أشرنا إليها ( على الرغم من أن الإعلام البديل قدم ويقدم تحليلات محددة ودقيقة ودائمة تغطي مجمل هذه الأحداث ) ولا يمكن أن يكون العجز في تلك المسائل حالة عامة , في حين أن الخضوع الإرادي للخطاب الرسمي يمكن أن يكون بسبب المخرج المشترك الذي تتقاسمه وسائل الإعلام الساعية إلى صنع رأي عام لدى البرجوازية المثقفة وهو : الايديولوجية الأطلسية . في واقع الأمر , لا يمكن أن يتم ارتكاب هذه الأخطاء وعمليات التضليل الإعلامي مراراً وتكراراً في أحداث ذات أهمية كبيرة لولا هذه الايديولوجية المشتركة والقدرة القوية القادرة على توحيد العقول البشرية المتنوعة .‏

ولا حاجة لنا إلى ذكر الجرائم الإعلامية التي ترتكبها وسائل الإعلام الأطلسية وقائمة هذه الجرائم طويلة للغاية وتكاد لا تنتهي . ولكن أردنا هنا الإشارة إلى ما هو واضح وجلي في أن معالجة تلك الوسائل للأزمة السورية وصل في الغرب إلى مستوى من السفالة والنذالة لا نظير لها : بمعنى أن التضليل الإعلامي يقتل الأبرياء .‏

على الشعوب وضع الصحفيين أمام مسؤولياتهم في هذا التضليل , وعدم قبول الجانب المظلم لأنفسهم والسكوت أمام وحشية هذا العالم . على تلك الشعوب تنظيم نفسها لإسقاط الأنظمة الاستبدادية الإعلامية التي تسيطر على الرأي العام الغربي , من أجل وضع حدّ لجرائمها .‏

 بقلم غيوم دوروفيل‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية