وهذا إن دل على شيء فهو حبه لمدينته وولعه بجمالها وإصراره على الانتماء إليها. ظهرت علامات النبوغ وحب العلم والذكاء منذ نعومة أظفاره وهذا مادفع معلميه في مدرسة الرشيدية أن ينصحوا ذويه بأن يقوموا بتنمية مواهبه ويشبعوا رغبته في التحصيل العلمي والأدبي فأرسل إلى الشيخ حسين الأزهري فدرس على يديه علوم اللغة والنحو والفقه وحين أحس الفراتي أن نفسه تواقة إلى المزيد من العلم انتقل إلى حلب طلبا للمعرفة ومنها إلى بيروت ثم يافا إلى أن استقر به المقام داخل جامع الازهر حيث وجد هناك ضالته العلمية والأدبية التي كان يتوق إليها وذلك باتصاله بأئمة الأدب والعلوم الدينية والدنيوية.
خاض الفراتي في كل مجالات الشعر وقضاياه فكتب القصائد الوطنية والقومية وأجاد في تجربة الشعر السياسي الحديثة فالتحم بقضايا وطنه، واحتل الاتجاه الاجتماعي في شعره حيزا كبيرا عززه الفقر المدقع الذي لحق الشاعر طيلة حياته إضافة إلى مظاهر البؤس والإهمال الذي ساد المجتمع الفراتي عموما.
كل هذا اثر في شخصيته وحساسيته الفنية الأمر الذي دفعه للتأثر بالاتجاهات الواقعية التي نشطت في تلك المرحلة، كتب الفراتي في معظم الاتجاهات الشعرية التي اتسمت بالحب والتأمل والفلسفة والطبيعة، شغل فكره في تأمل الوجود فلم يجد فرقا بين الوجود والعدم ولا بين الظلام والنور، الكل عنده تساوى في المنزلة وهذا ماميز شعره عن شعراء عصره.
اهتم الشاعر بعلم الفلك والمراصد الفلكية وقد عمد إلى تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم وهو تفسير فريد للآيات التي تبحث في الكون تفسيرا علميا يعتمد فيه على علم الفلك ومقابلتها بأحدث نظريات علم الفلك الحديثة، كما ترجم عن الفارسية شعرا كثيرا كرباعيات الخيام وغيرها من روائع الشعر الفارسي.
لم يترك الفراتي بابا من أبواب الشعر العربي إلا طرقه وأجاد فيه فمن المدح إلى الهجاء والرثاء والتأمل إلى الشعر القصصي والملاحم والترجمة، وهذا إن دل على شيء انما يدل على سعة إطلاعه وثقافته الموسوعية وقدرته البلاغية وشفافية وحيه، ولعل قصيدة الفرات الخالد من أحلى وأجمل القصائد التي أبدعتها قريحته الفذه والتي يصف فيها نهر الفرات بما له وما عليه، ومن مؤلفاته المطبوعة:
1- ديوان العاصف.
2- ديوان النفحات.
3- ديوان سمات الخيال.
4- ديوان الهواجس.
شارك الشاعر في الثورة العربية الكبرى حيث طلب منه الأمير فيصل أن يكون المغني للجيش الشمالي وان يهيئ له الخطب الحماسية قبل المعركة، وقد انعم عليه الأمير فيصل برتبة ضابط، وقد ألهبت قصيدته (في النهضة العربية) وجدان الشعب العربي.
لما شعر بأن الثورة حادت عن أهدافها المعلنة غادرها قافلا إلى مصر ليشترك في ثورة سعد زغلول عام 1919 ثم غادر مصر ليتوجه إلى دير الزور ليفجع باحتلال الانكليز لها، ثم جاء الاحتلال الفرنسي وكان وقتئذ قد امتهن التعليم فأصبح مدرسا للغة العربية والإسلامية في أول ثانوية للذكور في دير الزور (ثانوية الفرات حالياً) وأعلن عصيانه ضد الاستعمار ما أدى إلى فصله بسبب مواقفه القومية والوطنية وجرأته فغادر دير الزور إلى العراق وعين مدرسا للغة العربية ثم غادرها إلى البحرين ولكنه اختلف مع مدير المعارف فعاد إلى دير الزور وعين مدرسا في ثانوية الفرات.
انتدب أمينا لأول مكتبة وطنية، وفي سني حياته الأخيرة تفرغ إلى الترجمة.
توفي الشاعر عام 1978 عن عمر يناهز 98 عاما مليئة بالعطاء، وكان الرئيس الخالد حافظ الأسد قد منحه راتباً تقاعدياً استثنائياً تكريماً لإبداعه.