تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عاينوا الألمْ.. تارةً بالمشـــرط.. وأخـرى بالقلم

ثقافة
الأربعاء 20-6-2012
هفاف ميهوب

يقول الشاعر التشيلي «بابلو نيرودا»: «عندما يبدعُ الطبيبُ فناً أدبياً, يكون الأجمل والأصدق والأدق, لأنه لا يتخيَّل المعاناة البشرية, بل يعيشها ويعالجها ويكون من أكثر المتأثرين بها»..

أيضاً, يقول الأديب الإنكليزي «جورج ديهامبل»: «إن اشتغال الأطباء بالأدب, ظاهرة تلتمس أسبابها من طبيعة المهنة الطبية, نفسها التي تتيحُ الفرصة للمشتغلين بها, ومن أجلِ أن يشاهدوا عن قُرب, عدداً من النماذج البشرية, وهي تعاني آلام المرض أو سكرات الموت»..‏

إذاً.. غالباً ما يبرعُ الأطباء في مهنة الأدب, ذلك أن مهنة الطب تساعدهم على دراسة الملفات الإنسانية, وبطريقةٍ فيها من استكشاف المعاناة, ما يمنح أعمالهم بلاغة وصدقاً وعمقاً في تصوير كل ما ينعكس من آلام على الشخصية البشرية.‏

من هؤلاء الأدباء, وممن كانوا أطباء, برز كُثر هجروا مهنتهم وتفرَّغوا تماماً لمهنة الأدب. المهنة التي اعتنقوها حدَّ إبداع ما أعلنهم أدباء على درجة موفقة في إعلاء شأن الذات التي منحتهم أوجاعها شهرة عالمية..‏

مهنة الطب.. أغنتْ معارفي ككاتب‏

- أنطون تشيخوف - أديب روسي.‏

بدأ بكتابة القصة مُذ كان طالباً يدرس الطب, وكان يستمدُ قصصه من الأجساد التي تتألم وتختلج وتحتضر, ما جعله يمسكُ بالنبض الإنساني, وبطريقةٍ انعكست على أعماله التي امتلأت برهافة الإحساس ووجع المعاناة وإلى أن بات أغلب أبطال قصصه ومسرحياته, أطباء غارقين في التفكير بالمصير الذي ينتظر البشرية..‏

بيدَ أن شهرة «تشيخوف» الأدبية, طغت على مهنته الطبية, ما كان سبباً في انخراطه بكتابة الكثير من الروائع التي لم تخلُ من اعترافاتٍ, ذكر فيها الأثر الذي تركته مهنة الطب على نشاطه الأدبي, ليكون أشهر ما قاله حول هذا: «إن الطب هو زوجتي الشرعية, والأدب عشيقتي, وعندما تسئمني إحداهما, أذهب لتمضية الليل لدى الأخرى»..‏

أيضاً, واعترافاً بفضل مهنة الطب التي أغنت معارفه ككاتبٍ بات أشهر من أن يكون بحاجة إلى تعريف, يقول:‏

«مهنة الطب, وسَّعت على نحوٍ كبير حقل ملاحظاتي, وأغنتني بالمعارف التي لها قيمة بالنسبة لي ككاتب, ولا يتيسر إدراك هذه القيمة إلا لكاتبٍ, هو نفسه طبيب»..‏

الحالات الإنسانية.. أفضلُ مرانٍ للكاتب‏

- سومرست موم - أديب انكليزي.‏

بالرغم من أن هذا الأديب, أول ما بدأ بدراسة الطب, إلا أن هذه المهنة لم تجذبه, ليكون ما جذبه, الحالات الإنسانية التي كانت تصادفه, ومن فقرٍ ومعاناةٍ وبؤسٍ وعلل, وهو ما دفعه لتحويل هذه الحالات إلى أروع القصص والإبداعات, ليهجر بعدها مهنة الطب ومن ثمَّ ليتفرَّغ للأدب, وإلى أن اشتهر بغزارة إنتاجه الروائي, وذاع صيته في كلِّ أنحاءِ العالم..‏

رغم ذلك, هو لم ينسَ تلك الشخصيات التي درس أوجاعها ومعاناتها والتي ألهمته بعد أن التقى بالعديد منها, وممن احتفظت ذكراته بقصصهم وأسمائهم وأنواع أمراضهم, كتابة ما نبض بمفرداتٍ مؤثرة وإلى أن اضطرَّ للاعتراف: «لستُ أعرفُ مراناً للكاتب, أفضلُ من أن يقضي سنوات في مهنة الطب»..‏

الدقة والحكمة.. عامل مشترك بينهما‏

- آرثر كونان دويل - أديب انكليزي.‏

ما أن بدأ بممارسة مهنته كطبيبٍ للعيون حتى ألهمته التجارب العلمية, كتابة قصص تمتاز بالتحليل والعمق والتحري عن الغموض الذي تتمتع به الشخصية الإنسانية.‏

إنها الشخصية التي جعلته يتصوَّر بطل أعماله «شيرلوك هولمز» رجل التحريات الذي كان يحلُّ كل القضايا الغامضة بعينٍ ثاقبة, وبعد بحثٍ وتحليلاتٍ خاصة وعميقة.‏

استمر «دويل» يعمل في مهنة الطب لمدة ثماني سنواتٍ, ليقوم بعدها بكتابة قصة «الغرفة ذات اللون القرمزي» التي لاقت نجاحاً وقبولاً كانا السبب في تشجيعه على كتابة سواها من القصص..‏

بعدها, وما أن أصبح من أشهر كتَّاب القصة في البلدان الناطقة بالإنكليزية, حتى ترك مهنة الطب وتفرَّغ للكتابة, مقتنعاً بأن:‏

«رؤية الاختلافات البسيطة وتقديرها بدقة وحكمة, هي العامل الحاسم والمشترك لإجراءِ تشخيصٍ طبي ناجح, وكذلك لكتابة عملٍ أدبي ناجح»..‏

أدوات الطبيب والأديب واحدة‏

- ميخائيل بولغاكوف - أديب ومسرحي روسي.‏

رغم دراسته في كلية الطب, وتخرجه كطبيبِ عيونٍ معالج بدرجة امتياز, إلا أن حلمه بأن يصبح كاتباً, تحقق ولكن بعد ثماني سنواتٍ قضاها في ممارسة الطب,وبعد أن استمدَّ من الحالات المرضية التي صادفته, مادة أساسية لثماني قصصٍ كتبها وأصدرها ضمن سلسلة أسماها «مذكرات طبيبٍ شاب»..‏

في هذه السلسلة يتحدث «بولغاكوف» عن ذكرياته مع المرضى والمصابين وقتلى الحرب, مضيقاً انطباعاته من اللقاءات التي كانت تتم بينه وبين كل مريضٍ كان يعاني من علةٍ ما.. وهكذا إلى أن تخلى عن مهنة الطب وكرَّس حياته للكتابة الأدبية والمسرحية معتبراً أن: «الطب مهنة تحتاج لاتخاذ قرارٍ سريعٍ ومخيف, وعلى الطبيب مثلما الأديب أن يتحلى بالصبر والحلمِ والأناة والمثابرة الدائمة, لمعرفة ما يعتمل في الشخصية الإنسانية».‏

أيضاً.. هناك كثر من الأدباء المشهورين, ممن كانوا أطباء وتعلموا من كيفية معاينة الألم بالمشرط, كيفية معاينته بالقلم, ومنهم, الأديب الفرنسي «أميل زولا» والمفكر الأميركي «واير ميشيل» وأيضاً الشاعر الألماني «فريدريك شيللر» بالإضافة إلى الشاعر والمسرحي الألماني «بريخت», وغير هؤلاء ممن أثبتوا لعالم الطبِّ مثلما لعالم الأدب, بأن الأوجاع الإنسانية هي من جعلت أعمالهم, من أروع وأصدق الأعمال الإبداعية..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية