تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الإرهــاب وافتضــاح البقيــة

ثقافة
الأربعاء 20-6-2012
عبدالكريم الناعم

بعد مرور أكثر من سنة على الأزمة في سورية، بما مر من مجريات، وأحداث داخلية وخارجية، لم يبق ثمة عذر لمن كان في وجهه نظر، وفي أعماقه وجدان، وهذا يعني أن السادرين، الضاربين في تيه العداء، والكراهية، والرفض، قد أغمضوا أعينهم،

على طريقة: مادمت لا أرى الشمس فهي غائبة، وافتقروا إلى الحدود الدنيا من نبض الوجدان الذي يضع مصلحة الأمة فوق الأحقاد الشخصية، والعقد الذاتية، فقد انكشفت حقيقة المظاهرات السلمية، وتبين لذوي البصر والبصيرة أن تلك السواتر استعملت للوصول إلى أهداف أبعد، لم تعد خافية، يدل على ذلك حجم التسليح الذي حصل عليه المارقون الإرهابيون، ومقدار تورط الجماعات التكفيرية الوهابية في أعمال القتل والتدمير، واتساع المشاركة الدولية، وافتضاح دول معروفة بارتباطها بعجلة عواصم الغرب المساندة لإسرائيل، وهذا هو مربط الفرس، فكل هذه الدماء، وتلك البعثرة المقصودة، والضجيج والغبار والدماء، وتدمير المنشآت العامة، والعمل على إثارة فوضى لا تبقي ولا تذر، كلها لمن ألقى السمع وهو شهيد، لتحصين إسرائيل، وحمايتها من معطيات القراءات المعمقة، والتي تدل على أن ترسيخ مبادئ المقاومة، وتنامي قدرتها، يؤذن بأن هذا الكيان إلى زوال، وقد يكون من حسن حظ سكان ذلك الكيان أن تكون النهاية عبر ذوبانهم في المحيط العربي، لأنه سيجنب المنطقة كلها جحيم حريق شامل، مدمر.‏

إذاً لا بد من أن تتجه البوصلة باستمرار إلى مركزية المعركة مع العدو الصهيوني، وأنها معركة وجود لا معركة حدود.‏

-2-‏

إن النقطة السابقة لا تخص دول بعينها من دول العرب، أو فصيلاً واحداً من فصائل المقاومة، بل هو يشمل الجميع، دون إنكار خصوصية، وحساسية الدول التي تقع على حدود فلسطين المحتلة، إذ إن التأكيد على هذه النقطة يعني تحديد الأفق الذي يفترض أن يكون الحراك فيه، لأنه أساس، إذ في كل معركة مصيرية، داخلية، أو خارجية تتشابك بعض الأمور وتتفرع ويرتفع صوت الدم والكارثة، لدرجة يكاد يغيب فيها محور المعركة الأساس، وهذا ما يهدف إليه الإعلام الملغوم، أو المنحاز لصالح المشروع الغربي الصهيوني، بين مجاهر وصامت، وصمت بعضه لا يعني أنه أقل تآمراً، أو تواطؤاً، وهذا يعني من جهة ثانية أن تكون فصائل المقاومة الفلسطينية هي الأكثر حساسية في المواجهة، والكشف، والتمسك بالثوابت النضالية، بدلاً من الإنجرارات الأيديولوجية، ولا سيما حين تضرب في مسافات توصل السائرين فيها إلى مشارف الصمت على العدو، من أجل أوهام فكرية هي موضوع أخذ ورد، وفي هذا السياق لا يبدو أن الإرباك يخص العواصم العربية الرسمية وحدها التي ساهمت تاريخياً في التفريط، وإذا كانت هذه العواصم قد ارتضت أن تكون ملحقة بالقاطرة الغربية، ولم يعد يحرجها هذا لا أمام نفسها ولا أمام مواجهة جماهيرها.‏

فإن هذا لا يفترض أنت يسري على أي فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيما أن محور المقاومة الممتد من لبنان إلى سورية إلى العراق، إلى إيران، هذا المحور في حالة ممتازة، قدرة وتنسيقاً ووضعاً دولياً، ومع هذا فثمة من اختار أن ينتقل إلى ضفة، أقل ما يقال فيها إنها أبعد ما تكون عن روح النضال، فما الذي يدفع مجموعة حسبت على المقاومة إلى مثل تلك الخطوة؟!!‏

للأسف نقول ليس ثمة ما يسوغ، بمعنى التسويغ وليس ثمة قراءة سياسية تستطيع إقناع جماهير المقاومة، حتى الصامت منها، بأن ما فعله فصيل بعينه يمكن إرجاعه إلى رؤية سياسية لها وجاهتها، بل ليس لها إلا تفسير واحد، وهو الانكفاء الأيديولوجي الإسلاموي، وهكذا يقفون بشكل ما في صف الذين كانوا يتجادلون في جنس الملائكة، بينما العدو على الأبواب يقرعها بقوة،إذ آثروا الذهاب إلى الأيديولوجيا على التقاط اللحظة التاريخية الناصعة، وهذا يطرح مسألة العلاقة بين(الوطنية) والأيديولوجيا، ومن البديهي القول: إن الأيديولوجيا يفترض أن تكون في خدمة القضايا الوطنية القومية لا أن نسعى إلى تفصيل القضايا المصيرية على مقاس الأيديولوجيا، ولا سيما أن قضايا الوطن، والناس تتصف بالحركة، والتبدل، والتغير، وفي الأيديولوجيا الكثير من ملامح الجمود.‏

إن ما ستفرزه المعركة الدائرة الآن سيكون علامة من علامات الوعي، والمراجعة، وإعادة التقييم، واختيار الخطط المناسبة، وسيكون من أوليات ما ينتبه إليه أن لا يكون الجمود العقائدي، أو التشدد المفتاح الذي نذهب به لمواجهة الحياة المتطورة، وهذا لا يعني أن نخرج من المبادئ العاصمة، فنتحول إلى براغماتيين، وتجار سياسة، فلكل عصر ثوابته التي تعصمه من الانجراف، وعاصم مرحلتنا الحاضرة، ومنذ ما يقرب من قرن من الزمان هو المشروع الصهيوني بكل ما له من حضور.‏

في سياق إلقاء الضوء، وتعرية المعرى. وليس بعيداً عن الاصطفافات القائمة، وخاصة فوق مساحة معينة من هذه الأرض، ومن المهم تسليط الضوء على حكام(الحجاز ونجد) بوصفهم قاطرة العمل التآمري على المشروع المقاوم، والمتمثل في استهداف سورية المقاومة، ولكي لا تأخذنا التفصيلات، لابد من التركيز على بنية النظام السعودي، فهو نظام ديني، رجعي، أعرابي، متخلف، ليس له شبيه في العالم، فهو الأكثر رجعية، ولوذاً بالشوارع الخلفية فيما يتعلق بقضية فلسطين، وقد استطاع أن يبعد واقع ما هو عليه عن تسليط الضوء بالمال لا بأي شيء آخر، واشترى سكوت الذين يختلف معهم، عربياً، بالمواقف السياسية تارةً. وبصرف الأنظار عنه تارة أخرى، وكأنه كتلة مستقلة، معزولة، لا علاقة لها بما حولها، وهذا مخالف لسنن الحياة وتشابكاتها، وليس خافياً الدور الذي قام ويقوم به النظام السعودي، فهو حريص على إبقاء الأمور كما هي في مجتمعه، مظهر إسلامي، كابح، وسلطة ملكية وراثية،‏

وضخ للبترول إلى حيث الآلة الغربية، وإبقاء المجتمع على ركوده، وكأن ما هو عليه هو الحالة الدينية والدنيوية المثلى، بل والتي لا يجب مسها، بسبب ما يخلع عليها وعلى نفسه من قيم ذات مواصفات دينية، هذا الحكم الرجعي الظلامي، يذهب إليه أعداد من المعارضين السوريين، ولست أعني جماعة«الإخوان» فقط فهؤلاء منذ زمن بعيد وهو يغطيهم بعباءته، بل ثمة من يزعم المعاصرة، والليبرالية، ويدعو للديمقراطية، والتعددية، ويلوذ بهؤلاء، ربما لواذ الآمل الراجي، أن يجرى عليه ما يجرى على بعض شيوخ العشائر من أعطيات سنوية، أو كلما اقتضى الحال، على غرار بعض من يزعمون أنهم قادة سياسيون في لبنان، فالأساس لدى الجميع أن يفتح هذا الأمير أو ذاك دفتر شيكاته ليمنح من أموال الشعب في الحجاز ونجد لهؤلاء المرتزقة ما يجعلهم ألسنة ناطقة بالمديح والثناء.‏

ترى هل الديمقراطية، والتعددية والبرلمانية، والإصلاحية التي يطالب بها هؤلاء، هل هي من ثمار ذلك النظام؟!!‏

هل يقبل عاقل، وطني مخلص لبلده وأمته أن تكون مرتعاً لأعمال الإرهاب التكفيري الوهابي، وقد شاهد ما حصل في أفغانستان، والصومال والجزائر، وليبيا وما نقلوه إلى بلادنا بلاد التسامح والخير؟‏

-4-‏

قد أثبتت المعركة الدائرة، والتي يمثل الصراع في سورية، ذروة تحويلية حاسمة كبرى فيها، أثبتت أن العلمانيةأو التقدمية أو الماركسية ليست عاصماً من هوى الانزلاقات الما قبل مدينية، فقد انزلق عدد ممن نعرف، وما كنا نحمل لهم كل هذا القدر من سوء الظن، بعضهم كان انزلاقه علنياً، لا تردد فيه، وثمة من صمت، بدوافع عدة، والراضي بالشيء كفاعله، من أحد نواتج هذه المعركة الشديدة الأهمية أن التقدمية ليست عاصماً من الانزلاق الطائفي، كما أن تكون رجل دين، معمماً أو غير معمم ليس حكماً بالطائفية، وهذا يحتاج إلى الكثير من الكلام، وإلى طروحات تؤخذ من الواقع لا من التوهم، أو الافتراض.‏

aaalnaem@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية