تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هكذا... عن المسرح اللبناني

كتب
الأربعاء 20-6-2012
أنور محمد

صارع المسرحيون اللبنانيون العدمَ بكل ماامتلكته أيديهم في الحرب الأهلية، ثمَّ وقعوا فيما اقترفته مساهماتهم خلال هذه الحرب. هكذا يرى الكاتب والمسرحي اللبناني عبيدو باشا عبر تجربته كناقد حال المسرح في لبنان. 

ولذا فلم يعد أحد بريئاً بقصد أو بغير قصد،  وهذا ما دفعه لأن يضع أغلب المسرحيين اللبنانين على سريره سواء كانوا أصحاء أم مرضى، لكنَّه ما يلبث يبرِّر لهم أنَّهم استطاعوا أن يبتدعوا آلياتهم الحياتية في الحرب، إذ التحمت هذه الآليات بالواقع المحلي وتعمقت فيه بعد أن تفحَّصته وقلبت مضامينه على وجوهها وهي تطارحه الأسئلة. فَوُجِدَ روجيه عساف على الكمائن في الشياح في مقابل كمائن عين الرمانة،  التحم الرجل بجسده في مشروع ضد مشروع آخر، قفز فوق القبائليات والعشائريات والجهويات والعائليات والمذهبيات والطائفيات. وبعد الحرب وُجِد روجيه عساف في مشاريع مضادة، مشاريع جهات وطوائف، فيما بقي جلال خوري في حسابات الحزب الشيوعي اللبناني إذ بقي خوري في «المنطقة الشرقية» بينما بقي الحزب وقيادته في «المنطقة الغربية»،  وشكَّلت المسافة بين المنطقتين نقطة ضعف المثقفين الديمقراطيين في المنطقة الشرقية. لن يهبَّ أحد إلى نجدتهم، لذا التحقوا بمواقع القوى لكي يحموا أنفسهم، أو لغايات أخرى،  أو تركوا المنطقة إلى منطقة أخرى.‏

فترك زياد الرحباني «بلونة» إلى شارع الحمراء. واتُّهم جلال خوري بتقديم خدمات إلى «قوى المعسكر الآخر»،  وبكتابة إحداثيات ساهمت في تصفير مدافع قوى المعسكر الآخر. وأضحى إدوار البستاني مسؤولاً في القوات اللبنانية،  تبوَّأ مسؤوليات الشعبة الخامسة، وهي شعبة ذات دور خطير تقوم على حضانة الأفراد بالتحفيز الفكري والسياسي، حيث أصبح الرجل المسؤول الأيديولوجي عن قطاعات القوات اللبنانية العسكرية.انتهت«حركة الوعي»في واحدة من نذر انقلاب الأوضاع على الأوضاع. سافر بول شاؤول،  ثمَّ سافر عصام محفوظ، بقي يعقوب الشدراوي في منطقته، الإقامة: موقف. وبقي رئيف كرم في منطقته،  الإقامة:موقف. بقي شكيب خوري في منطقته،  الإقامة:موقف. بقي ريمون جبارة في وحدة فريدة -غير منشودة- بين الفكر واللغة، بين الواقع والحياة، انتظم وجوده الجسدي والحسي في توءمة فريدة مع مشاريع الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل،  ترأس المجلس الثقافي للبنان الشمالي، ثمَّ سلَّمه أمين الجميل تلفزيون لبنان،  أضحى ريمون جبارة رئيس مجلس الإدارة، مديراً عاماً لتلفزيون لبنان في أشد لحظات الانقسام اللبناني سفوراً. تواترت الإشاعات كالتعاويذ السرية في الأكوان البدائية للمسرحيين اللبنانيين. شائعة أولى:شوهد ريمون جبارة على حاجز للحزب السوري القومي الاجتماعي. إشاعة ثانية:بلغ شكيب خوري قوى الأمر الواقع في منطقة بأشغال مسرحي آخر. قصْدُه محاصرة المسرحي هذا،  ثمَّ وضعه في إقامة غير حرة، أو وضعه في سجن غير مرئي،  أو دفعه في وسط الأقاويل المضللة المؤدية غالباً إلى غياهب الموت المعنوي والجسدي. إشاعة ثالثة:اختفى منير أبو دبس،  لم يعد الرجل موجوداً على خارطة لبنان. ثمَّة حقائق دامغة،  قاتلَ رئيف كرم مع الكتيبة الطلابية في فتح،  قاتل إلياس خوري في الكتيبة الطلابية في فتح. قاتل روجيه نبعة في الكتيبة الطلابية في فتح. موَّلت أغاني مارسيل خليفة وخالد الهبر أجزاء من مشاريع الحزب الشيوعي اللبناني. انتمى أحمد قعبور إلى منظمة العمل الشيوعي. رُصد رفيق علي أحمد في أحد مخيمات الحزب السوري القومي الاجتماعي. تعرَّض حسام الصباح إلى محاولة اغتيال في الجنوب اللبناني لأنَّه أحد كوادر منظمة العمل الشيوعي. تألَّفت اللجنة المركزية والمكتب السياسي في منظمة العمل الشيوعي من عتاعيت الثقافة في لبنان: جوزيف سماحة ووليد نويهص وعبد الله اسكندر وفواز طرابلسي. أضحت منظمة العمل فلتر السياسة والثقافة. قبع كريم مروة وسمير مراد ومحمد دكروب وإلياس شاكر والعشرات في فضاء الحزب الشيوعي اللبناني.أنتجت علاقة الفنانين والمثقفين بالحرب وبتنظيمات الحرب أبرز أشكال التعبير. بالمقدم:الأغنية السياسية. وضع أنطوان ملتقى نفسه في الكمون السالب بدل التجلي الفاعل،  كفر بالحرب والمحاربين،  وجد في عزلته فعله الإبداعي الأكبر وسط الاصطراع الأهلي.حلم هؤلاء كلهم ببلاد جديدة،  قادهم حلمهم إلى قيمهم الجديدة،  ابتدعوا فلسفاتهم الجديدة في عمليات إعادة إعمار ذواتهم في تجربة وجودية لاهبة،  بنوا واقعهم العاصف،  بنوا واقعهم الطوفاني المفتون بإغواء برد النهايات الطيبة،  شخصنوا إيمانهم- بذلك- خارج الفضاءات العامة،  وسَّعوا دلالات إيمانهم –بذلك- خارج الفضاءات العامة،  وسَّعوا دلالات إيمانهم بحيث لم يسمحوا للرأسماليين باحتكار المقدَّس،  طرح هؤلاء أسئلتهم حول دور الفن في صياغة سؤال الحرية وسؤال الدين.‏

ثمَّ يستعرض الناقد عبيدو باشا أسماء عدد من المسرحيين اللبنانيين ومدى أثرهم على الحياة المسرحية. فيعتبر روجيه عساف: بنَّاء منهجياً بطل تجارب دمغت حضوره مجموعة من المسرحيات البارزة في تاريخ المسرح اللبناني،  المسرحيات ذات حضور مركزي في حياته،  يميل إلى إطلاق تسمية العمل المسرحي على المسرحية،  بقيت المسرحية حدث حياته حتى حين مالَ إلى تقديم التعبير على أشكال التعبير،  في لبنان والعالم العربي. ثمَّ يقول عبيدو باشا: حملتُ إلى إلياس خوري نصَّ حوارٍ مع روجيه عساف، لكي ينشره في صفحتنا الثقافية في «السفير»، وافق على نشر أجزاء منه،  غير أنَّه توقَّف طويلاً أمام جزء لم يوافق البتة على نشره،  لأنَّه وجد فيه دعوة صريحة إلى قتل من لم يعتنق الإسلام بعد. قال إلياس إنَّ روجيه بإسلامه إنما يؤكِّد ضرورة أسلمة المسيحيين في المنطقة الغربية،  من لم يُسلم بمستطاعه أن يؤسلم طالما أنَّ روجيه أسلم. أحداث وقصص وشخصيات خرجت من كُمِّ الساحر أو من قبَّعته،  فاعل يفعل فوق سطوح المدينة المحاربة بقواها الذاتية وبنبلائها أشباح وديان الضعف والأدب الوضيع،  نوع آخر من محاكم التفتيش أو نزعة تفتيشية جديدة، عندها، تحولت بيروت إلى أندلس جديدة، غادرها أبو عبد الله وهو يبكي خسارته فوق حصانٍ من تآمر الآخرين عليه، وخصوصاً والدته، الناتج:ضربت عاصفة هوجاء كوسموبوليتية بيروت،  غزت المدينة شياطين بقرن واحد،  سوف تقع بيروت في إغراءات أخرى فيمابعد. أمَّا أسامة العارف فإنَّه لم يلبث أن استيقظ محاطاً بأبخرة لاعلاقة لها بدخان الحرائق،  مرَّ في نفق المسرح، تبدلات كبيرة مع ضوء كل النهار،  لم يستطع أن يتكهَّن-على الرغم من ذلك- بالضباب القطني المقبل،  كشفت هويته ككاتبْ جائزةُ المؤسَّسة الدولية للمسرح،  حاز جائزة أحسن نص عربي، بل الجائزة الثانية بعد جائزة أنطوان معلوف في»الإزميل»،  حملته «إضراب الحرامية»إلى البعيد،  قيَّضت له منحة السفر إلى ألمانيا وفرنسا لمشاهدة المسرح في الدولة هذه وتلك،  تعزَّزت قناعته إثر ذلك بدور المسرح،  وخصوصاً من خلال برتولد بريخت الألماني الدعوي. قناعة:إنَّ المسرح وسيلة لنشر الدعاوى السياسية بشكل واضح وفج،  عنده: لم ينفذ الشيء هذا تماماً، لم يوضع على محمل التنفيذ، بقي أمنية، إذ «إنَّ المسرح لم يلعب حتى دوراًتحريضياً في الشارع من شأنه أن يؤدي إلى التغيير السياسي،  ولو حلمنا بذلك طويلاً».‏

بعد العارف يستعرض عبيدو باشا مسيرة الحياة المسرحية لعدد من المسرحيين اللبنانيين الذين تركوا بصمات كبيرة ومؤثَّرة على المسرح  مثل: عصام محفوظ وإدوار أمين البستاني  وبول شاؤول وأنطوان ملتقى  وجلال خوري وريمون جبارة ومنير أبو دبس وبيرج فازليان و شكيب خوريالذي حصّل قواه من الطقس المسرحي أو المسرح الطقسي، والذي يهلُّ هلال أنطوان آرتو عليه، يهل طيفه وهو يجوب طقس القسوة الخاص به.فيضعنا أمام مسرح حسِّي بالكامل، مسرح بسيمنائيات وآليات تكتب النص الإبداعي بإيقاعاتها وصفوة القول: إنَّ مسرح شكيب خوري مسرح بأنشطة محصورة بصرامة عقلية، وبصور وتقارير لهجات تتمتع بقوى الشك بدل الاحتمال، وبقوى الانحياز بمقابل اليقين، ولذا تأخَّر الاعتراف بالرجل،  كما أنَّ الرجل لن يعترف بأبي المسرح في لبنان بمرحلته الحديثة-الخمسينيات والستينيات.‏

 صادر عن دار الآداب- بيروت.عدد الصفحات766.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية