تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الديكور الشعري... بلاغة القصيدة المعاصرة

كتب
الأربعاء 20-6-2012
يمن سليمان عباس

يبدو أن القصيدة العربية ما كادت تفلت من المحسنات البديعية حتى وقعت في محسنات جديدة أو أريد لها أن تستبدل القديمة بشيء جديد يناسب العصر ويجعلها مختلفة عما كانت عليه ويكسر رتمها المألوف.

الديكور الشعري- محاولات تأسيسية دراسة مهمة للدكتور أثير محمد شهاب صدرت عن دار علاء الدين في دمشق.‏

لماذا هذه الدراسة؟‏

في مقدمته يقول د. شهاب: تعد ظاهرة الديكور الشعري من الظواهر حديثة الولادة في ميادين نقد القصيدة العربية المعاصرة والديكور الشعري وفق هذا التصور ملمح مهم في القصيدة العربية يقوم على فكر التأثيث بما ينسجم والفضاء النصي الذي يتباين بين توظيف الماديت وعدمها.‏

والسبب الذي يدعوني إلى القول بسيادة هذا النمط إبان مرحلة الخمسينيات- مرحلة الريادة الشعرية- هو اقتراب التفكير الشعري من مرحلة التشيؤ الذي يدعو إلى الاهتمام بالأشياء مع اختلاف هذه النظرة بين شاعر وآخر بحسب التوجهات الأيديولوجية.‏

تضمن الكتاب أربعة فصول اهتم الفصل الأول بالمدخل النظري مبيناً أسباب تلاحم الشعر بالمسرح واقتراب الديكور من الدرس السيميائي.‏

حاول المؤلف عبر عرض المصطلح حسم بعض الاشكاليات بين الديكور والمنظر والسينوغرافيا من جهة، والديكور والتزيين من جهة أخرى، فضلاً عن المحاولة في إدخال بعض العلامات البصرية ضمن باب الديكور الذي سيكون شاملاً يتسرب عبره الكثير من المفاهيم والمصطلحات المستقلة مثل(الاكسسوار والمكياج والزي والإضاءة- الظلمة واللون) وحاول أخيراً الخروج بمصطلح الديكور الشعري الذي يمثل مغامرة جديدة في النص الشعري على خلاف المحاولات العابرة التي ذكرت المصطلح بشكل عابر.‏

وسعى المؤلف في الفصل الثاني(الديكور الشعري الاكسسواري إلى البحث عن مغامرات شعرية تهتم بالاكسسوارات والأشياء بوصفها ديكورات شعرية جسدية وغير جسدية مع رفض الاكسسوار في جانب منه.‏

ودار الفصل الثالث حول علاقة الديكور الشعري بالضوء- الظلمة وأهميتها في خلق الديكورات وإظهارها في حين ركز الفصل الرابع محاوره باتجاه الأزياء- ديكور الأزياء بوصفها- أي الأزياء-ديكورات جسدية تسهم في رسم حدود الديكور الشعري.‏

على الطرف الآخر اهتم الفصل الخامس بتفعيل دور الماكياج في التأثيث الديكوري الشعري عبر أكثر من مستوى أسلوبي.‏

وجاء الفصل السادس وهو الأخير، الديكور اللوني خارج سياقات المفترض من الاهتمام بالديكور إلى العناية بمظاهر الديكور وألوانه.‏

وقد خضعت النصوص الشعرية إلى الفحص والانتقاء بما فينسجم والعنوان المقدم، والنصوص في مجملها تمثل مرحلة الريادة وما بعدها من دون الالتزام بجيل معين، لذلك تجد نصوص الشعراء متباينة بين شاعر ريادي وشاعر تسعيني آخر.‏

أما المنهج المتبع في الدراسة فهو يخضع للتحليل النصي في أغلبه مع الإفادة من اشتغالات البحث السيميائي الأسلوبي من أجل رسم حدود ديكور شعري متوحد في الرؤية والاشتغال.‏

والقاسم المشترك بين الفصول هو الاهتمام باثبات الديكور الشعري بوصفه رؤية جديدة في الممارسة الشعرية.‏

من الفصل السادس نختار بعضاً مما قاله الباحث عن الديكور اللوني بوصفه علاقة سيميائية مشيراً إلى أن التكلم عن خصائص اللون في بعض النصوص وقيمه الجمالية يضعنا أمام حقيقة مفادها تحول اللون إلى قيمة تشكيلية تزيينية لا علاقة لها بالمستوى السايكولوجي إذ يجتهد اللون في تحوله إلى باعث جمالي يضاف إلى الجماليات الشعرية الأخرى داخل النص الشعري ومع الاصرار على الاجتهاد في تحوله إلى أن يكون ذا تأثير جمالي فلا يخفى دوره الأساس في الإحاطة بمركزية الإشعاع السايكولوجي داخل النصوص.‏

أما التأثير السايكولوجي للون فيتمثل في ارتباطه بالإحساس بالسرور أو بنقيضه في معظم الأحيان هذه الأحاسيس التي تمليها الذاكرة الثقافية للفرد داخل المجتمع، إذ تتحول بعض الألوان إلى باعث حزن وشؤم في حين تتحول بعضها إلى باعث فرح وسعادة.‏

ومن زاوية أخرى تتعلق بارتباط اللون بالتأثير السايكولوجي عن طريق محاولات العلماء تقسيم اللون إلى بارد وحار بحسب الإيقاعات النفسية التي يمنحها في أثناء قراءته واستقباله والسبب الذي يدعونا إلى القول ببرودة اللون ارتباطه بألوان السماء التي تشعر الإنسان بالبرودة وبحرارته من ارتباطه بأشعة الشمس التي هي مصدر الحرارة والدفء.‏

وضمن الأهمية التي تميزت الألوان بها انسحبت الإفادة من الاهتمام بالماديات وتأثيثها إلى التركيز على جمالياتها وألوانها والتي تضفي جواً مغايراً يختلف كل الاختلاف عما تمنحه الديكورات الأخرى، إذ إن خلق مناخ إنساني بوساطة اللون فقط، إنما هو عمل إبداعي بكل معنى للكلمة وقد ساعد هذا المناخ على تقديم أساليب ديكورية شعرية مغايرة بحسب طبيعة الألوان المستخدمة والتي تتباين ما بين السواد والبياض، الحرارة والبرودة، وما شابه ذلك.‏

وخارج إطار تشكلات اللون وقيمه يبدو جلياً ظهور أكثر من قضية داخل ميادين الديكور الشعري اللوني من بينها شيوع تلوين الديكور الشعري بالأبيض والأسود دون الألوان الأخرى وكثرة التلوين الديكوري بالألوان الحارة على حساب الباردة ووضع بعض الألوان في غير منطقها ودائرتها وذلك بأن يقرب اللون البارد من فعل الحرارة وهو منطق لا يتواءم وعناصر التكوين اللوني وتلوين بعض الديكورات بغير ألوانها التي تنتمي إليها أو تلوينها على الرغم من كونها فضاءات غير مدركة ولا تقبل اللون.‏

الكتاب: الديكور الشعري- محاولات تأسيسية - المؤلف: د. أثير محمد شهاب - الناشر: دار علاء الدين دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية