للإجابة عن هذه التساؤلات كان لابد من لقائنا عدداً من الشباب والشابات.
هناك عدد ليس بقليل من الشباب الذين التقيناهم لا يوجد لديهم تصور مسبق لترتيب أولوياتهم، بزعمهم أن الصدفة تلعب دوراً كبيراً في الحياة دون أي جهد أو عناء في تنسيق وترتيب تلك الأولويات وعلاوة على ذلك، الترتيب يحتاج نمطاً من الحياة المستقرة مادياً ومعنوياً وإذا لم يتوفر فكيف يمكن ترتيب الأولوية وتحقيقها عند أي شاب أو شابة إلا بمحض الصدفة، لكن إذا حصل ذلك وتم النجاح وحقق نسبة مقبولة أو متواضعة نقول إن الدنيا قد ابتسمت لنا، فترتيب الأولويات ليس بالأمر السهل ولكي يقوى الشباب على ذلك يحتاجون إلى رعاية ودعم أسروي ومجتمعي والأصح مؤسساتي، يحفز الشباب على مهارة ترتيب الأولويات والإبداع في طريقة تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع لأنها ليست من فراغ ولا تأتي بقرار مفاجئ، فالأولويات تختلف من شخص إلى آخر، شاب أولويته شراء سيارة وشاب ثان تنحصر أولويته في تأمين فرصة عمل وثالث في الحصول على شقة سكنية ورابع في بناء أسرة، لكل رؤاه حيال هذه المسألة.
شادية لها وجهة نظرها الخاصة بعد أن تخرجت من المعهد المتوسط انحصرت أولويتها في البحث عن فرصة عمل، لم تترك مسابقة إلا وتقدمت إليها ولا مؤسسة إلا وطرقت بابها لكن دون جدوى تغيرت أولوياتها بعد أن يئست سجلت في التعليم المفتوح ظناً منها أن الشهادة الجامعية توفر لها حظاً أوفر تخرجت والآن تنتظر هذا الحظ، لكنها بمرارة فيها جرأة قالت الأهم من هذا كله هو أن أوفق بشخص يكون بديلاً عن كل هذه الأولويات التي لا طائل منها سوى العذاب.
نافع حسن صيدلاني امتعض عندما سمع بترتيب الأولويات وأشار هل بمقدور الشاب في هذا الزمن الرديء انتقاء أولوياته وتفضيل بعضها على بعض، الاستحقاق الذي يفرض على الشاب يواجهه بما يملك من عزيمة مادية أو معنوية وسواء أكان هذا الاستحقاق زواجاً أم شراء منزل والأصح استئجار منزل لأن الغالبية العظمى من الشباب أولويتهم شراء مسكن، لكن أولوية الشباب في حين الزواج هو البحث عن محلات تعطي مواد واحتياجات الزواج من أساس المنزل مفروشات وأدوات كهربائية، بالقسط الشهري المريح، هذه هي الأولويات أتريدني أن أكمل أم الصورة واضحة وجلية.
مجد بركات مهندس يقول: بعد أن تخرجت وحصلت على فرصة عمل أصبحت أولوياتي منصبة في تأمين مسكن جميل يجمعني مع الفتاة التي عربشت على جدار قلبي وغدت شغلي الشاغل، فازدادت الأعباء وتضاعفت ساعات العمل فبشكل يومي أعمل نحو ثماني عشرة ساعة كي أحرق مراحل وأصل إلى ما أصبو إليه لأن هذه الأولوية تعتبر الأساس في الاستقرار الروحي والمجتمعي فلا أولوية بالنسبة لي تضاهي أولوية توفير السعادة والهدوء والراحة والرفاهية لمن شغلت قلبي وهمت بحبها، لكن لديها هاجس في اقتناص اللحظة المناسبة لتطوير مهاراتي واكتشاف الجديد.
نقلنا التساؤلات التي طرحناها على الشباب إلى الدكتورة مرسلينا شعبان حسن (محللة نفسية) حيث أشارت إلى أن الشاب دون هدف لا يمكن أن يشعر بإنسانيته لذا مطلوب منه هدفان الأول يحقق له رضا شخصياً والثاني يحقق قبولاً اجتماعياً، فتحقيق هذه المعادلة يقتضي من الشباب مزيداً من الجدية لتحقيق أهدافهم ضمن هذه الأولوية التي يجب أن تتناسب مع الإمكانيات المتاحة عموماً أولويات الشباب بعد المرحلة الجامعية تتفاوت تبعاً للظروف الاجتماعية، فإذا كان وضع الأسرة قوياً اقتصادياً فأولوية الشاب الذي ينتمي إليها هي الزواج لأنها لا تشكل ضغطاً مادياً على كاهله إذا كان وضع الشاب المادي رديئاً بالتأكيد تتغير أولويته ويصبح هاجسه هو البحث عن كيفية تأمين عمل المبني على تحقيق استقرار مهني والبحث عن آليات متعددة لتحسين الدخل المنسجم مع إمكانياته المعرفية، لكن الفكرة الجوهرية لا يمكن أن تكون الأولوية واحدة عند كل الشباب فهي تختلف باختلاف الظرف والمهارة والمهنية على سبيل المثال هناك شاب ينتظره أهله لإدارة مصالح العائلة الاقتصادية وشاب آخر تنتظره عائلته ليساعدها، فبعض الأسر تركز على الرصيد المادي وبعض الأسر رصيدها المادي هم الأولاد.
أيضاً هناك أولوية عند بعض الشباب لمتابعة تخصصهم العلمي الدقيق، الأهم من هذا كله، هي أن تكون تلك الأولويات مبنية على وضوح ومصداقية وإمكانية لتحقيقها، بالتالي عندما يتوفر هذان الأمران المصداقية والوضوح عند الشاب وقتها لو تعثر في تحقيق أولوياته يكفيه المحاولة وهذا ما يكسبه صبراً وإصراراً على تحقيق الهدف الذي وضعه في سلم أولوياته.
الأولويات تتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية عند الشباب في البلد فأولويات الشاب في بلد مزدهر اقتصادياً غير أولويات شاب في بلد لديه ركود اقتصادي، الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يساعد الشباب بتحقيق أولوياتهم وسهولة ترتيبها.
والتنشئة الأسرية التي أتيحت للشباب خلال مراحل عمرية سابقة مشبعة بالقيم أيضاً مساعدة بترتيب الأولوية فتعويد المرء على اتخاذ القرارات المتدرجة في المواقف المختلفة منذ الصغر تسهل الأمر عليه عندما يصبح شاباً. في الختام يجب أن نغفل أن القدوة عند الشباب هو الأب الذي يشارك عائلته في اتخاذ القرارات فهو المؤثر الأكبر والداعم الحقيقي لتخطي هذه المرحلة الأساسية التي ينبني عليها مستقبلهم المهني والاجتماعي.