تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوراق من نشوة الماضي

كتب
الأربعاء 12-5-2010م
يمن سليمان عباس

شامة الدنيا وروضها الغناء، ليست بقعة جغرافية وواحة خضراء وكفى، بل هي إضافة إلى هذا حكاية يتلوها جيل لآخر، هي حضارات تفاعلت وتراكمت، دمشق بحكاياتها وعاداتها وتقاليدها قدمت تراثاً عربياً صار ذا صبغة عالمية.

وإذا ابتعدنا شيئاً فشيئاً عن هذا الماضي فلا يعني هذا أننا قد سلوناه، بل نعيش نشوته في حلنا وترحالنا، يعكف الباحثون عليه توثيقاً ودراسة، وفي هذا الإطار يأتي كتاب الباحث منير كيّال الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان «دمشق الشام ذاكرة الزمان» أوراق من نشوة الماضي.‏

لماذا هذا الكتاب؟‏

في مقدمته يقول الباحث كيّال: حاولت في هذا الكتاب استكمال ما بدأت من تتبع حياة أهل الشام وسبل معاشهم ومقولاتهم على طريق الإحاطة بتراثها الشعبي، وتطرقت إلى مواضيع ماثلة في الذاكرة الشعبية وأصبح من الناس من يتعاطى معها على سبيل التندر على ما كان لها من دور في حياة الجيل الذي سبقنا وما حظيت به من اهتمام الناس والتعاطي معها، توقفت مع ممارسات أبناء دمشق في التعامل مع أعمال البر والتعاطف والتواد والتراحم.‏

جولة في كتاب‏

الكتاب رحلة توثيقية لعادات وتقاليد أهل دمشق، ودراسة سريعة لملامح دمشقية يصعب حصرها لكننا سنقتطف بعضاً منها، ومن فصل ليلة الحنة والنقش يقول: في مجال تخضيب أكف الأطفال في شهر رجب فمردُّ ذلك أنهم يعدون هذا الشهر من الأشهر المباركة الفضيلة التي تضم شهر رجب وشعبان ورمضان حيث تعجن الحنة بالماء وتختمر ثم توضع قطعة منها في باطن كف الطفل فيقبض عليها ثم توضع قطعة أخرى من الحناء على ظاهر أصابع الكف ومن ثم يلف الكف بالقماش ويربط حتى لا ينفرد القماش عن الكف ومثل ذلك للكف الثانية، وفي الصباح تفك الأربطة وينزع القماش عن الكف وبعد غسل الكف بالماء لإزالة بقايا الحناء التي بداخلها وعلى ظاهرها تدهن الكف بزيت الزيتون لإكساب الحناء لونها المميز على كف الطفل مما يدخل السرور إلى نفسه، أما ما كان من أمر ليلة الحنة للعروس فقد كانت هذه الليلة خاتمة ليالي الأفراح التي تسبق ليلة العرس «الزفاف» باستثناء حمام العرس، وكان يسبقها بما لا يقل عن أربع ليالٍ.‏

وأما عن عادات وتقاليد القهوة في دمشق فيقول: لا يصبون في كل مرة في الفنجان إلا رشفة واحدة لا تكاد تستر قعر الفنجان ويعدون ذلك من الإكرام، أما إذا ملأ الساقي فنجان أحدهم كان ذلك بمنزلة الاحتقار لمن يقدم له ذلك الفنجان، وإذا تخطى الساقي أحدهم فقد أهانه إهانة لا يصبر عليها ولا تغتفر، وإذا اكتفى الضيف بعد أن يصب له الساقي الفنجان وجب على الساقي أن يشرب ذلك الفنجان أو أن يريقه على الأرض ولو كانت مفروشة بالسجاد، ولا يجوز إطلاقاً تقديم ذلك الفنجان لشخص آخر لما يترتب على ذلك من إشكالات لا يحمد عقباها.‏

خانات دمشق: إرث عمراني‏

وفي الفصل الخاص بخانات دمشق يقول الباحث كيّال: كان لموقع دمشق على طريق القوافل التجارية أن لعبت هذه المدينة دوراً مميزاً كمحطة تجارية كبرى، الأمر الذي تطلب إنشاء منازل يستريح بها المسافرون والتجار من عناء السفر، وعُني ببناء الخانات الملوك والحكام وأهل اليسار من محبي الخير العام، وقد كثر بناء الخانات بدمشق في العصرين المملوكي والأيوبي، لكن ما بقي منها ماثلاً يعود معظمه إلى العصر العثماني، يوم كانت دمشق تغصّ بالتجار من مختلف الأجناس ومركزاً لالتقاء القوافل الوافدة إليها من بغداد وبلاد العجم والأناضول وخاصة إبّان موسم الحج، الأمر الذي أدى إلى اتساع أسواق دمشق ومن ثم بناء خانات جديدة اتخذت منازل للتجار الوافدين إليها وبضائعهم، وكان من تزايد أعداد الخانات في دمشق في هذه الحقبة أن فاق عددها عدد حمامات دمشق وكان من أهم وأميز وأبهى هذه الخانات:‏

خان أسعد باشا العظم: وهو أهم خانات المشرق العربي امتاز بضخامته وروعة التصميم وفخامة المدخل، بناه والي دمشق وأمير محل الحج الشامي أسعد باشا العظم سنة (1756) م وهو في سوق البزورية على مقربة من قصره ووظف لبنائه إمكانات تقاليد العمارة الفنية السورية آنذاك، حتى إن لامارتين عندما زار دمشق سنة 1833 م عد هذا الخان أجمل خانات بلاد المشرق وقال: إن قبابه تذكره بفن عمارة البندقية في عصر النهضة في أوروبا.‏

وأجمل ما في مدخل الخان تلك المقرنصات الحجرية المحمولة على ثلاثة أقواس نصف دائرية تستند على ثلاثة أعمدة بكل جانب من هذا المدخل، أما الباحة فمساحتها 725 متراً مربعاً تتوسطها بركة كبيرة وترتفع فوق الباحة قبة مركزية كانت قائمة على أربعة أعمدة تشكل عقدة الوسط بين قباب الخان التسع وهي محمولة على 25 عقداً حجرياً.‏

خلاصة القول إن الكتاب قد تعرض إلى ما كانت عليه دور الخوجة والكتاتيب في تعليم الناشئة وما كان لصندوق الدنيا والحكواتي ومسرح الظل من دور في إيصال المعلومة والكلمة الهادفة إلى جميع من فاتهم قطار التعلم.‏

واهتم الكتاب بإلقاء بعض الأضواء على جوانب من حياة الناس وعاداتهم وتقاليدهم في إطار احتفالاتهم بعيد المولد النبوي الشريف وفي عراضاتهم الشعبية فضلاً عن التوقف بشيء من الإحاطة عند المقامات والأضرحة التي بدمشق وحمامات هذه المدينة وخاناتها برؤية تحيط بجوانب جديرة بالاهتمام.‏

بطاقة تعريف: اسم الكتاب: دمشق الشام ذاكرة الزمان. - اسم المؤلف: منير كيّال. - الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية