صديقي هذا يضطر للاستدانة من السمان القريب.. وهذا السمّان له أسلوب غريب في التعامل مع الزبائن المستدينين.. لا يختلف كثيراً عن البنك الدولي.. فهو يفرض على الطالع والنازل شروطه على الزبائن التلفانين.. ولأن صديقي مضطر والمضطر لا يلام ولا يؤاخذ حتى حين, لذلك تراه بالغ الانصياع لإرادة السمّان الغريب, وخصوصاً عندما يفرض عليه هذا السمّان شراء كميات كبيرة من السمن والزيت الرديئين واستهلاكهما بسرعة قياسية والعودة لاستدانة كميات أخرى منهما.. وعندما يسأله صديقي عن الأسباب التي تدفعه لإرغام الزبائن على شراء كميات كبيرة من الزيت والسمن يقول له السمّان بانزعاج: لأنني سمّان ولست بائع صواريخ.
صديقي هذا أصيب بعوارض الذبحة والضغط والكوليسترول غير الحميد والشحوم الثلاثية الأبعاد.. فانخبطنا عليه وقلقنا وخصوصاً أنا بسبب ما تربطني به من حوارات دسمة وصراخ وشتائم تفل الحديد، وعندما اقتربت منه وأحسست بارتفاع ضغطه واضطراب نبضه وقلبه.. نصحته بضرورة الحمية واتباع ريجيم لا تحتمله الحيتان.. ريجيم لا مكان فيه للحرية ولا للنهم الشديد.
ووضعت في مقدمة ذلك شرطاً عنيفاً وهو الابتعاد عن السمّان المريب.
فبكى صديقي واستبكى وهمس لي بأنه لا يستطيع بسبب الأسرة والأولاد والسيولة الشحيحة أن يعيش دون (سمّان), فقلت له هذه بسيطة.. بعد أن تذكرت السيولة التي لم تعد لدي وسألته هل تستطيع أن تعرّفني على هذا السمّان لأستدين منه وأتخلص من زماني ومعرفتي التي لا تغني من جوع؟ فاستغرب صديقي منّي هذا الكلام وانطلق بهمّة ليعرفني على هذا (السمّان).
وعندما وصلنا إليه وعرّفني صديقي عليه انفرجت أسارير البائع وقال.. أنا من زمان أنتظر مثل هذه المناسبة لأتعرّف على رجل يعمل في الإعلام.. ثم شكر صديقي على مبادرته وناوله كيسين من الأرز الذي يتفتت من العزلة والخجل قبل أن يتفتّت بين أسنان الجائعين, ففرح صديقي وتدفق منه ضحك غزير كالسيل.. وبسبب الضحك غمرته السيولة وتراجع عنه الكوليسترول والشحوم وتراجع المرض, وتراجع صديقي وظل يتراجع حتى لم يعد بوسع أحد أن يراه من بعيد أو قريب.