تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رقص التانغو... خارطة الأرجنتين الملونة

ثقافة
الأربعاء 12-5-2010م
رانيا الحسن

لعل أصل التانغو يشكل النقطة الأكثر جدلاً في تاريخه فالكلام هنا يدور حول موسيقا شعبية تطورت وأصبحت فناً قائماً بذاته.

وعن هذا الموضوع (التانغو) ألقى مهيمن ملص محاضرة في المركز الثافي الإسباني (ثربانتس) وتبعها عرض فيلم سينمائي بعنوان (السداسي) الأكبر، ثلاثون عاماً من التانغو.‏‏

وفي المحاضرة تكلم السيد ملص عن التاريخ السياسي الاجتماعي للتانغو فقال: لقد نشأ التانغو بشكل جنيني في بوينس آيرس، في الحقبة (1880-1870) وبشكل معاصر ومتوافق مع المشروع السياسي لتشكيل «أمة الصحراء» وبناء الهوية الوطنية التي عاشتها الأرجنتين ولاسيما بوينس آيرس المهم هنا أن نفهم أن التانغو على الرغم من كونه أحد آثار الشروط السياسية والاجتماعية السائدة آنذاك فلا ينفي معرفة أوجهه المختلفة.‏‏

ففي نهايات القرن التاسع عشر كانت القارة الأمريكية تضج بالأصوات: الجاز في الشمال، البوليرو في الوسط والتانغو في الجنوب وقد كانت هذه الأصوات هي التعابير الشعبية الأكثر وضوحاً عن أميركا تحاول تتبع هويتها العذراء وبنفس الوقت هويتها الموسيقية.‏‏

يمكن لنا أن نتخيل فكرة أن هذه الأشكال الموسيقية هي نتاج نزوة أكيدة للخارطة الجغرافية: المسيسبي ومستنقعاته والكاريبي الذي يغلي، النهر العريض، شبه محيط دون مياه مالحة وخليط من الألوان، فالموسيقا الشعبية الأصلية لأمريكا ابتدأت بالاختلافات.‏‏

أن تبقى في أرض ما وتعيش فيها يعني أن تغذيها، وهكذا كان الجاز والبوليرو أو التانغو شكلاً موسيقياً لتأكيد ذلك وهكذا التصق التاريخ السياسي بالبشر بطريقة صوتية.‏‏

إن أصل التانغو مرتبط بالتنوع بالكثير من المكونات الموجودة في حالة من التفاعل فهي حية وملتهبة وهذه العناصر ليست حكراً على التانغو، بل هي أيضاً عناصر الواقع السياسي الذي عاشته الأرجنتين بين عامي 1870-1910 فالشمال كف عن كونه «ضيعة» كبيرة ليتحول إلى دولة حديثة.‏‏

إن تاريخ التانغو لم تنظمه المعجزات الموسيقية ولا موسيقيون يتمتعون بمواهب خاصة وإنما حراك القوى السياسية والاقتصادية والطريقة التي توزعت وانتظمت فيها السلطة فهي الشروط التي بني عليها التاريخ الموسيقي للتانغو.‏‏

بوينس آيرس: مدينة التانغو:‏‏

لقد قطعت الأرجنتين عام 1910 وبعد 100 عام من ثورة مايو واستقلالها عن الامبراطورية الإسبانية طريقاً طويلة من التطور وعاشت قرناً من الازدهار الاقتصادي (وخاصة بين عامي 1897-1913) فالمركزية والتحديث السياسي والاستثمار الموسع في الزراعة وخلق نظام تعليمي حر وإدخال رؤوس الأموال الأجنبية في قطاعات مهمة وأساسية في الاقتصاد ومجيء ملايين المهاجرين كيد عاملة في التوزيع الكبير للثروة الزراعية والحيوانية، وكل ذلك ساهم في هذا الازدهار. وتحولت بوينس آيرس إلى باريس أميركا، حيث انعكس ذلك في أبنيتها ومظهرها الحديث المتجانس.‏‏

لقد قاد التزايد السكاني الذي عاشته بوينس آيرس في سنوات قليلة البلديات والسلطات الوطنية إلى مناقشة سياسة الاسكان وتم تقديم مشروعات لحل المشكلات الحياتية فمن جهة هناك حاجة للتدخل في الأماكن المعتبرة «غير الصحية» كما في المجمعات والملاهي الليلية ومن جهة أخرى فرض تزايد أعداد السكان نقاشات حول توزيع الكثافة إلى خارج المدينة وإعادة إسكان القطاعات الأفقر على محيطها، وهكذا أصدر قانون السياسة الصحية عام 1917 والذي تدخل في كل زاوية وبناء وحتى اعداد الناس في الغرف ومواد البناء، فالحياة الصحية تتضمن أخلاقاً صحية فقوة الفقير الفيزيائية هي قوته الأخلاقية!‏‏

فالمجمع هو الفقر ولكنه في نفس الوقت هو الهوية، هو مكان ينبغي الهروب منه لكنه يمثل روح سكانه وبهذا شكل مكاناً للعودة يعيش فيه حب حيث يشكل مأوى حقيقياً لرجل أو امرأة ولقد حفلت أغاني التانغو بأوصافه بتفاصيله وترك آثاره الواضحة على كتّاب الأغاني الذين أطنبوا في مدحه ووصفه كصورة لمسكن حميم: فالحميمية الملازمة للمجمع كانت دافعاً لقلق سياسي وفي نفس الوقت تأكيد شعري في التانغو والذي يعرفه كمسكن محلي، كما تفعل السلطات السياسية بحيث يهمها كضرورة صحية ومراقبة، أما في التانغو فهو مكان لدستور عاطفي.‏‏

وبذلك تتشكل جغرافيا تانغوية: فالمقهى أو الزاوية تظهر كإشارة ودلالات عاطفية وأخلاقية فهي ليست فقط أمكنة بل هي ساحات عاطفية مرتبطة بالحب والصداقة والانتظار والعودة.‏‏

إذاً امتزجت واختلطت جميع العوامل السياسية والاجتماعية معاً لتنتج التانغو الأرجنتيني الفريد الذي بقدر ما يمثلها وانعكست فيه موسيقا ورقصاً وغناء بقدر ما كانت له مفرداته وخصوصيته.‏‏

لقد كانت العائلة وحقيقتها العاطفية الثابتة هي المثال لمجتمع تلزمه قيم ثابتة لإثبات وجوده وفي وسط هذا التعديل للبناء الاجتماعي بدأت النساء باحتلال أماكن كانت سابقاً محجوزة للرجال وهذا شكل تهديداً لمفهوم العائلة بحد ذاته وبشكل من الأشكال يمكننا القول إنه يمكن اعتبار جزء لا بأس به من تاريخ التانغو كشكل ذكوري لغناء تاريخ المرأة الأرجنتينية وخضوعها وانتصاراتها.‏‏

و اعتباراً من عام 1917 كانت الأغنية الأشهر التي خطت تاريخ أغاني التانغو وابتدئ بها عصر «أغنية التانغو» (الغارديل) أسطورة التانغو وهي ليلتي الأخيرة وهي من كلمات مبدع الأغاني باسكال كونيرس:‏‏

عندما أنام في الليل‏‏

لا أريد إغلاق الباب‏‏

لأن تركه مفتوحاً يوهمني أنك ستعودين‏‏

المرآة المغطاة بالبخار كأنها كانت تبكي حبك‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية