يقول أونفري: أرى كما يرى نيتشه تماماً أنه لا يمكن إدراك عمل الفكر بمعزل عن الجسد الذي أنتجه . لذلك ينبغي الاطلاع على سيرة احدهما للوصول إلى فهم وإدراك الآخر. فما هو ممتع عند فرويد في قصته غروب الآلهات وما وراء الخير والشر عند تطبيقه، كما يقال، لدى ممارسي الفلسفة المؤيدين للفكر الصافي الكانتي نسبة إلى كانت يأخذ، هنا، منحى آخر مختلفاً كل الاختلاف.
أونفري- وقد استخدم الحجة على الأقل أربع مرات- قرأ كتاب فرويد إياه بالكامل خلال خمسة أشهر ، قراءة تنضح بالرعب وخاصة عند مروره بالتربية الوطنية إذ «لمس قليلاً التأثير الخطير للمحللين النفسيين . لذلك نجد حذراً غريزياً وعميقاً في مكان طبقتهم الكهنوتية وقوتهم كرهبان. الباب ضيق للنقاش، فأولئك الذين سيدافعون عن التحليل النفسي لا يمكن إلا أن يكونوا مخلصين، ومؤرخي مجمل سير القديسين ، والكتاب «المهاذير» الذين يكثرون من الكلام.
الموضوع ليس بالجديد ومع ذلك لدينا انطباع بأنه ومنذ قرن لا يوجد شيء بالنسبة لقراءة فكر فرويد، وحركته، ومتابعته كما لإعادة كتابة نصه أو إعادة النظر بالتجارب العقائدية. لكي نضع فرويد في مطحنة نيتشه، ينبغي أن نصنع منه فيلسوفاً وإذ ذاك سيكون حتماً أسوأ أنواع الفلاسفة: مستعير مبتذل من نيتشه وشوبنهاور رغم تكبره وتنكره لذلك. ولعل حالة فرويد بسيطة نسبياً، فقد ابتكر نظرية شمولية تدعى العالمية ولا تعمل سوى لحالته الخاصة، وكان لها استمرارية طويلة من خلال «الهذيان أو الهلوسة الجماعية» . فرويد، وبحق، إنسان يتصف «بنفي الجسد ورفض الواقع» ، مرتكب المحارم، وصولي، مزور، كذاب، متهافت للكسب الرخيص، تحركه كراهية والده كما عبادة القائد ، رجل «يتخلى عما يطمع فيه لعجزه عن الوصول إليه» ( كالأعمال الطبية والعلمية) وبقوله المبتكر أن «الديوان» لأجل نوم يتشكل أفضل، وارتداؤه الملابس من أجل التقلب الشتوي ، نستشف أن «المعبود» فرويد ليس له سوى أن يصمد جيداً!
نبقى، حقيقة، مذهولين أمام التفاسير المعكوسة في قراءة كتاب فرويد ( غروب الآلهات وما وراء الخير والشر) ، فعبارة «أزمة في الحضارة ومستقبل وهمي» مثال يوضح نظرية أعطيت في البدء وهي : إذا كان الرجل فرويد مقلداً ، فإن كل كتاباته لا تخدم سوى إخفاء هذا الغش. وبالتالي ، فإنه من غير المفيد نقد فكر سيصبح حركة ونظاماً استمر على حاله. ومن العبث البحث عن أقل أثر للجدلية هنا. التحليل النفسي «ينكر بالفعل الاختلاف في الطبيعة لمصلحة الاختلاف في الدرجة، بحيث إن الجنون ، انحراف الحاسة الطبيعية، العصاب النفسي، الذهان، البارانويا ( الهذيان) ، الشيزوفرينيا تصبح جميعها معياراً جديداً....». كذلك «لا شيء يميز، بالأساس، المحلل النفسي على ديوانه أو كتبه، والمصاب بالعصاب الممدود على مقعده، لا شيء يفصل كلياً الجلاد السادي وضحيته البريئة». لا ننسى شقيقات فرويد اللواتي دفع بهن إلى الموت على يد قائد معسكر أوشفيتس . أو كيف يمكننا الانتقال من مقترح حقيقي بالنسبة للاشعور إلى تأكيد مذهل بحيث يمنع كل فكر نقدي. يذكر أونفري الفضل لأستاذه، دوبريه رتيزن، الذي سبقه في مجال «المعاكس للتحليل النفسي» والمؤيد لعلم الوراثة والفالق أو الشاطر الذي يشطر في زمنه «المعسكر الفرويدي».
يعود أونفري للحال إلى « موقع مجموعة بحث ودراسة عن الحضارة الأوروبية» واتجاه «اليمين الجديد» الملحد المدعو «لوغريس» ، والمؤيدين لعلم النفس المعياري من خلال مؤلفهم «الكتاب الأسود للتحليل النفسي» كما إلى تقريره الذي يهدف إلى «ضبط» ممارسة التحليل النفسي .
« إن تمييز الطبيعي من المرضي، مثلما نفصل أو نفرز المهووس بالجثث وبالحيوانات، والمعتدي على الأطفال، والمنحرف السادي الذي لا يعترف بوجود الآخر ، عمن يدمج وجود الآخر كاهتمام أخلاقي في رؤيته للعالم، يكفي ذلك لإخراج التحليل النفسي الفرويدي من وضعه الشاق المتدهور، ومن نهاية القرن الذي انتشرت به كالنبات الضار».
لعلنا ندرك، هنا، لماذا كان ثمة غائب كبير آخر في الكتاب ، مع الدقة الفكرية، والتاريخية وجميع المتمرسين الذين يختلفون عن فن الكاريكاتور الذي قام به أونفري: أولئك الذين من خلال تجمعهم الحر وعملهم ، وتملكهم لتاريخهم المعقد والمتنازع عليه، يكسبون حريتهم من الفرد.