والتي من شأنها انفتاح هذه التجارب على بعضها بعضاً وبالتالي المضي في مسار تأكيد الهوية العربية المعاصرة للفن.
من هنا يأتي تثمين الخطوات التي تقوم بها بعض من صالات العرض الفنية حين تستضيف عروضاً متنوعة لما ينتجه المبدعون على امتداد الأقطار العربية، واليوم نحن أمام عرض تقدمه غاليري كامل ويضم مجموعة من الأعمال التصويرية لفنانين عربيين هما عباس يوسف من مملكة البحرين ومحمد الجالوس من المملكة الأردنية، ولكل من هذين الفنانين تاريخ من التجارب والبحث الفني الذي يقدم الجديد ويتقاطع في عين اللحظة مع تجارب لفنانين آخرين من العرب.
فالفنان عباس يوسف شارك في عدد كبير من المعارض الجماعية في أماكن مختلفة عربية وعالمية وله عدد من المعارض الفردية في عواصم عربية وتقتني أعماله كبريات المجمعات الثقافية العربية وبعض المتاحف الغربية.
أما الفنان محمد الجالوس فقد شارك في العشرات من ورش العمل الفنية في مختلف دول العالم وله ما يقارب 29 معرضاً شخصياً في أماكن عالمية مختلفة وشارك في أكثر من 70 معرضاً مشتركاً وهو حاصل على الجائزة الأولى في بنيالي طهران الثاني للفن في العالم الإسلامي 2002 وأعماله موزعة في عدة دول.
لدى المرور أمام الأعمال التي تمتعت بالجذب والتأثير النفسي الذي من شأنه منح المتلقي مزيداً من الهدوء والسكينة، نرى في أعمال الفنان عباس يوسف حالة متفردة من شأنها وضع المتذوق في حالة من الرضا جراء المتعة إثر الدهشة والتفكير في ماهية البحث التقني فيما يعرض من أعمال ورقية تقدم الحساسية الغرافيكية عبر الصياغات التجريدية التي تتصدر السطح وتحمل المزيد من التأثير البصري من خلال مساحات اللون التي تسبح بشكل أفقي أو رأسي في المساحة الرحبة، فيحضر الأحمر بشكل واسع بما يحمل من هيجان وتوهج وحركية والذي يجاور الأخضر والبني المعتق الذي يحوي تأثيرات خطية غير منتظمة وعفوية عبر الحك على الورق ليبرز هذا الخط بقيمتها البارزة والمتباينة مع ما يحتضنها من عمق وفراغ.
وأغنت قيم هذا الحضور البصري أطراف الورق المقطوعة بشكل عفوي والتي تخلف حدوداً للشكل تبرز من خلاله الأشكال التأليفية للصياغات المتنوعة.
تختلف التكوينات بين لوحة وأخرى والبارز هو المساحات الواسعة للقيم المتقاربة والتي تتخللها مساحات اللون الهرمية والهندسية أو تلك المتمتعة بشكل غير منتظم الواقع تحت سطوة التلقائية واللهاث الموفق للحصول على التأثيرات الصدفوية.
بعض السطوح تسيطر على قيم لونية متقاربة وأخرى متباينة بانسجام والبعض منها تكتفي من خلال الحساسية الغرافيكية بالاعتماد على لون واحد، والبعض يخفي صخباً واشتغالاً كثيفاً للحصول على تأليف يغوص في حركته.
و مايميز هذه الآلية في الفعل التشكيلي هذا هو جرأة الفنان في خلق الشروخ لما لها من دلالات في الوقت الذي يبرز فيه سطوحاً هادئة بإيقاعها.
أما الفنان محمد الجالوس فهو ينزاح بشكل أكبر للخوض في الأجواء التصويرية عبر المواد اللونية المختلفة مبقياً على حساسية الفرشاة بما تترك من أثر على السطوح المقسمة بشكل شطرنجي يكسر رتابة بشكل لافت عبر التباين اللوني الذي تغلب عليه الأشكال البقعية المتماهية مع محيطها، فيربط البعض من المربعات بما تحوي من أشكال منمنمة فيما بينها عبر التقارب اللوني وأحياناً القيم اللونية ذاتها، منتشلاً المتذوق من حالة الملل التي ربما تلحق بهذا الشكل التعبيري.
واللافت أن لكل مربع من هذه الأجزاء كيانه وحياته ضمن المجموع الذي ربما يحيلنا في بعض الأماكن إلى الإحساس بهيئات تجريدية مؤثرة، وبالفعل فقد تنوعت الأعمال فيما يخص تأثيرها واحتضنت مجموعة كبيرة من الألوان لتقدم في نهاية المطاف أعمالاً تكتنز المزيد من القيم والجماليات.