ولعل ما يدور حتى اليوم من تفاعلات إمكانية إقصاء أولمرت عن منصبه على خلفية الاحتيال وتلقي الرشاوى ومواجهته تهماً جنائية بالفساد قد يعيدنا إلى لعبة سقوط أو إسقاط الحكومة الإسرائيلية عن سابق تصور وتصميم بغية الهروب من استحقاقات السلام, وفي وقت مازلنا نشاهد فيه انكفاء الدول الكبرى ولاسيما المعنية بأزمة الصراع العربي الإسرائيلي ولا مبالاتها التي برهنت على أنها كالنعامة عندما يكون الأمر يحاصر إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية, وبالتالي ممارسة الضغط المطلوب عليها لتنفيذ تلك القرارات والجنوح إلى متطلبات السلام العادل والشامل.
لقد عودتنا تلك الدول الكبرى أن تغمض عينيها دائماً عن بقاء إسرائيل خارج القانون الدولي وحقوق الإنسان بضربها عرض الحائط للحقوق الفلسطينية ومواصلة احتلالها للأراضي العربية ولرفضها لمبادرات السلام العربية ونكثها للوعود ونقضها للاتفاقيات والمعاهدات وعدم الالتزام ببنودها. وهذه الحال لم تكن وليدة اليوم أو الأمس بل هي سجل أسود في تاريخ الكيان الصهيوني منذ ولادته القيصرية مع قرارات تقسيم فلسطين عام 1948 إلى القرارات الدولية ومنها القرار الشهير 242 وصولاً إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 واتفاقيات أوسلو وماتلاها من مبادرات وبينها خريطة الطريق التي قبلها السفاح شارون على طريقة نعم, ولكن لتضليل الرأي العام حين حدد موافقته نعم, هذه بشروط تنسف المعنى والمبدأ التي قامت عليها تلك المبادرة خريطة الطريق.
كما أننا لن ننسى بعد ذلك مقولة السفاح الآخر إسحاق شامير عندما قبل على مضض المشاركة في مؤتمر مدريد بناء على إلحاح الرئيس جورج بوش الأب الخارج حينها من حرب الخليج الثانية, حيث كشف بعدها أنه قرر الموافقة على المبادرة الأميركية كي يماطل ويماطل ويكسب لأكثر من عشر سنوات تاه معها العرب ومعها ضاعت الحقوق, وهكذا الحال إلى يومنا هذا.
حيث تتواصل فصول اللهو والمماطلة وتطول سنوات الانتظار العربي لكن دون جدوى. إن ما يجري اليوم في إسرائيل من تصوير للواقع الإسرائيلي الداخلي على أنه مظهر من مظاهر الديمقراطية أو العدالة السياسية لإظهار الجميع في إسرائيل على أنهم سواسية أمام القانون لايمكن تصديقه, وفي هذا الوقت بالذات, حيث المفاوضات غير المباشرة السورية الإسرائيلية وكذلك تواصل اللقاءات الإسرائيلية الفلسطينية التي تدفع بها إدارة الرئيس بوش لإحراز تقدم بها قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش ولو لوضع إعلان نيات حول القضايا الشائكة وبينها الحدود لإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة كي ينهي بها الرئيس بوش سجله الأسود.
إن إسرائيل الأمس هي إسرائيل اليوم التي تتهرب من أية ترتيبات جدية لإقامة السلام مع العرب على مختلف مساراتهم باستثناء الترتيبات التي تكون على مقاساتها ولخدمة أهدافها, وكلنا يتذكر كيف قتل رابين على يد متطرف صهيوني بعد توقيعه على اتفاقيات أوسلو لتذهب بعدها أدراج الرياح, وكيف تنكر نتنياهو الذي أتى بعده لما حققه رابين مع سورية من وديعة اتفاق اطلق عليها وديعة رابين للانسحاب الكامل من الجولان, وكيف هو اليوم أي نتنياهو يحاول إعادة اللعبة من جديد ليعود إلى الحكم على رأس حزب الليكود المتطرف الذي يخوض حرباً اليوم ضد أولمرت.
كما أننا لن ننس كيف أسقط إيهود باراك بعدما قدم تنازلات محدودة وجزئية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في اجتماعات كامب ديفيد وبعد أشهر قليلة من انسحابه المرغم من جنوب لبنان هو نفسه اليوم يحاول تكرار اللعبة /مناورات ومماطلة وتمديد وتهديد/ وادعاء بالمرونة والقبول بشروط سلام مؤلمة على حد قوله مع سورية تارة ومع الفلسطينيين تارة أخرى كي يظهر نفسه أنه القادم لإرسال السلام.
بطبيعة الحال الكل ينتظر رحيل إدارة بوش ويبني على ذلك أجندته ومستقبل تحركاته باستثناء العرب الذين لم يبادروا إلى لملمة صفوفهم والاستفادة من سد الفراغ الحاصل خلال ما تبقى من أشهر قليلة لذهاب بوش, وها هي إسرائيل في إطار سياسة المراوغة والمماطلة وحدها تكسب الرهان وتخطط لما تريده سواء من الوضع الحالي لاستراحة إدارة بوش أو لضمان دوام الإدارة القادمة في البيت الأبيض في تحالفها وشراكتها مع المشاريع الصهيونية في المنطقة العربية, وبالتالي استمرار هيمنتها على المنطقة ووضع العالم أمام الأمر الواقع. إنها لعبة المماطلة من جديد إسرائيلياً, وما على العرب سوى الانتظار أكثر مما انتظروا في ظل واقعهم المزري ليدفعوا المزيد من الثمن أمام عدومغتصب.