تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفيدرالية الفلسطينية-الإسرائيلية تلوح في الأفق

عن : هآرتس
ترجمة
الثلاثاء 20-8-2013
ترجمة: ليندا سكوتي

ما أن جرى التوقيع على اتفاقية الهدنة بين العرب والإسرائيليين في عام 1949 حتى بادرت مجموعة منهما إلى الدعوة لإنشاء دولة فلسطينية تعيش إلى جانب إسرائيل المعترف بها حديثاً

وإقامة تحالف بناء بين الشعبين، وكان من بين تلك المجموعة كل من رستم بستوني وجابر موعد من العرب الفلسطينيين وكاتب المقال، (الذين أصبحوا فيما بعد أعضاء في الكنيست). وفي ذلك الحين لم يجر التداول بشكل صريح بشأن إقامة الفيدرالية بيننا، لكن كنا جميعاً متفقين على ضرورة أن تكون الحدود مفتوحة أمام تنقل الافراد والسلع بين البلدين، بيد أنه عندما تبين تعذر تشكيل فريق سياسي موحد في ظل الظروف القائمة آنذاك انفض أفراد المجموعة كل في سبيله.‏

بعد حرب سيناء التي جرت عام 1956 اجتمعت فئة أخرى كنت واحداً منها وضمت قائد حركة ليحي ناتان يلين مور والكاتبان بوعز ايفرون وعاموس كينان، أطلقت على نفسها اسم مجموعة «العمل السامي» وعمدت إلى إصدار بيان باللغة العبرية قدمت بموجبه نموذجا يختلف تماما عن كل التوجهات الإسرائيلية آنذاك حيث اقترح البيان اقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب دولة إسرائيل، وتشكيل كونفيدرالية تضمهما معا إضافة إلى الدولة الأردنية.‏

بعد حرب الأيام الستة عمد ذات الأشخاص إلى تشكيل مجموعة أخذت على نفسها الدعوة إلى فيدرالية إسرائيلية-فلسطينية، وفي سبعينيات القرن الماضي روج أبا إيبان لنهج يماثل في مضمونه اتحاد بنلوكس وهو تعبير يمثل الحرف الأول من اسم دول ثلاثة هي بلجيكا وهولندا ولوكسبورغ التي أقامت فيما بينها نوعا من الفيدرالية. ومما أثار دهشتي واستغرابي عند لقائي ياسر عرفات في بيروت عام 1982 إشارته إلى ذات الفكرة في الوقت الذي كانت به المدينة خاضعة للحصار الإسرائيلي عند بداية الحرب اللبنانية الأولى. وقد تساءل في هذا اللقاء عن مدى امكانية إقامة فيدرالية إسرائيلية-فلسطينية-أردنية قد تنضم إليها لبنان أيضا، كما وأنه أعاد التطرق لذات الفكرة مرة أخرى في محادثة أجريتها معه قبل وفاته التي تمت في ظروف غامضة عام 2004.‏

توقفت عن استخدام مصطلح الفيدرالية عندما أدركت بأن هذا التعبير يثير الريبة والمخاوف لدى الجانبين على حد سواء إذ يرى به الإسرائيليون انتهاكا لاستقلال إسرائيل بينما يتحسب الفلسطينيون ويخشون من أن يكون هذا التوجه تكتيكا صهيونيا يرمي إلى مواصلة الاحتلال بوسائل أخرى علما بأنه من غير المسوغ لبلدان صغيران مثل بلدينا العيش جنبا إلى جنب دون أن يكون بينهما ارتباط وثيق. كما وأننا إن عدنا إلى قرار التقسيم الذي اقرته الامم المتحدة في عام 1947 سنجد بأن مضمونه يقوم على الفيدرالية بين البلدين على الرغم من ان ذلك المصطلح لم يدرج بشكل واضح وصريح، ذلك لأن الخطة كانت تعرض تشكيل وحدة اقتصادية بين الدولة اليهودية والدولة العربية.‏

لا شك بان هناك العشرات من الفيدراليات والكونفيدراليات القائمة في شتى أرجاء العالم على الرغم من عدم وجود تماثل بين دولة وأخرى، وأكبر مثال على ذلك أن الحرب الأهلية الاميركية قد قامت بين الفيدرالية الشمالية والتحالف الجنوبي كما أن سويسرا تعرف عن نفسها بأنها كونفيدرالية تضم كانتونتات وروسيا في واقعها ليست إلا فيدرالية تضم العديد من الجمهوريات وألمانيا جمهورية فيدرالية أيضا.‏

يجب أن يتكيف الاتحاد بين إسرائيل وفلسطين سواء (مع أو بدون الأردن) مع الواقع الذي يعيشه الشعبان، لكن ما هو ضروري وهام في هذه المرحلة هو التوقيت الذي يجب أن تتخذ به تلك الخطوة، وقد شبه ابرهام بورغ في صحيفة هارتس قبل بضعة أيام الخطة لإقامة الفيدرالية ببناء يشكل حقوق الإنسان الطابق الأول منه ويشكل الطابق الثاني إقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، أما الاتحاد الفيدرالي فله منزلته في الطابق الثالث.‏

إن وجود دولة قومية إسرائيلية ودولة قومية فلسطينية، تعيشان جنباً إلى جنب ضرورة يمليها الواقع الذي يسبق إنشاء الاتحاد، وطالما لم يتم تأسيس الدولة الفلسطينية ضمن اتفاقية سلام دائمة ومعترف بها فإنه سيكون من الصعوبة بمكان قبول الفلسطينيين بفكرة إقامة الفيدرالية قبل تأسيس دولة خاصة بهم.‏

لدي ثقة تامة بأنه في أواخر هذا القرن سيكون ثمة حكومة عالمية يتم تأسيسها بشكل أو بآخر، ذلك لأنه يتعذر حل المشاكل الوجودية للبشر دون وجود سلطة دولية ذات صلاحية واسعة تصدر قراراتها وتسهر على تنفيذها ويناط بها مهمات مثل حماية حدود الدول من التعديات وتنظيم الاقتصاد العالمي ومنع قيام الحروب ومعالجة النزاعات الأهلية وحماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والمساواة للمرأة والأقليات والقضاء على المجاعة والمرض، كل تلك الأمور تتطلب بالضرورة ترتيبات عالمية جديدة.‏

لا ريب بأنه ينبغي أن تكون تلك الترتيبات متسمة بالديمقراطية الإيجابية التي تنطوي في مضمونها على وجود فيدرالية بين الدول دون المساس بقومية كل منها وذلك على غرار ما هو حاصل بالنسبة للدول القومية الأوروبية التي مازالت كياناتها قائمة وبذات الوقت تعتبر جزءا من الاتحاد الأوروبي لكن الطابع القومي للدولة سيتغير وستتغير أيضا العلاقات التي تربط تلك الدول ببعضها. وعندها يمكن أن تشكل حكومة عالمية يكون موقعها في الطابق الرابع أو الخامس وفي إطار تلك التصورات فإن تحقق حلمي القديم بشأن إقامة اتحاد سامي سيكون سهل المنال وعماده إقامة اتحاد اقتصادي سياسي على غرار ما هو قائم بالنسبة للاتحاد الأوروبي.‏

إن تلك الأفكار جديرة بأن تؤخذ بالاعتبار والدراسة نظراً لإمكانية تحقيقها حتى لو بدت في الوقت الحاضر مجرد أضغاث أحلام مشوبة بالتفاؤل وذلك على غرار ما كانت عليه الرؤية الصهيونية في زمن تيودر هرتزل لكن علينا أن نعلم جيدا بأن المهمة المصيرية والملحة في الوقت الحاضر والتي ينبغي أن تأخذ المقام الأول هي إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.‏

 بقلم: يوري أفنيري‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية