تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أدباء قصّروا زمنياً.. و تطاولوا إبداعياً..فهل ينحصر الإبداع بعمر محدد.. ؟

ثقافة
الثلاثاء 20-8-2013
لميس علي

بعد أن تنقّل بمهن عدّة أخفق فيها.. قرّر التجريب بميدان الكتابة.. هذا ما يعترف به هنري ميلر.. (جرّبت كل شيء وأخفقت، إذاً لأجرّب الكتابة).

تجارب متنوعة و انعطافات مؤثرة لوّنت حياته.. واستغرقته زمناً طويلاً ليدرك أخيراً رغبته بمصادقة الحرف.‏

يُعتبر هنري ميلر من الأدباء الذين احترفوا الكتابة بزمنٍ متأخرٍ نسبياً.. و لعله ليس متأخراً بمقدار مواطنة الكاتب الأميركي توم وولف الذي بدأ حياته صحفياً و لم يكتب روايته الأولى (محرقة الغرور)إلا في سن الرابعة و الخمسين.‏

على الضفة الأخرى من الإبداع تُحفر بالذاكرة أسماء أدباء عُرفوا و اشتهروا و هم في عمر الصبا.. في عشرينيات العمر أصابوا النجاح و لفتوا إليهم الأنظار.. حققوا مفارقة الصغر زمنياً و الكِبر إبداعياً و ليس في جعبتهم سوى بضع سنين.‏

يُدهشك أن بعضهم كسر، بإبداعه، جبروت الزمن.. فك طلاسم النجاح.. قهر، بحروفه، ألغاز الشهرة و الاستمرارية أدبياً.‏

بعمر الرابعة و العشرين كان أن توفي إيزيدور دوكاس.. أما كريستوفر مارلو فعاش حتى التاسعة و العشرين.. لم تمنحهما أحجية (الزمن)مزيداً من الوقت.. و مع ذلك كان أن خلّدت أعمالهم- على قلّتها- أسماءهم.‏

حالة تطرح تساؤلات عديدة.. لا تنتهي بالتسليم بامتلاكهما ملكة الإبداع الحقة.. و لا تبدأ بمجرد السؤال عن كون هذه الملكة تنحصر بعمر محدد.. فهل للإبداع الحقيقي عمر معين.. ؟ هل يرتبط بمدى عمق التجربة الحياتية والمهنية.. ؟‏

وهل من الممكن أن تكون هذه الملكة الإبداعية من الأصالة والقوة بحيث تنبثق هكذا كنبع فوّار.. كبئر ارتوازي.. لا يمكن له إلا أن يتحدّى صلابة الصخور و الإعلان عن وجوده.. ؟‏

ودائماً.. ما سنذكر.. كلّما كان لب الحديث عن قصر العمر و كبر الإبداع و متانته.. آرثر رامبو.. الذي فكّ خدع (أحجية الزمن) ليس بقصر عمره، مات و هو بعمر السادسة و الثلاثين، إنما بقصر عمر الهالة الإبداعية التي عاشها.. إذ يُحكى أنه لم يحتج إلا لثلاث أو أربع سنين ليبقى معتلياً قائمة الشعراء الأكثر عبقرية.‏

بدأ رامبو بكتابة الشعر و هو في السادسة عشرة واعتزله في العشرين.. أمّا بالنسبة لمواطنه إيزيدور دوكاس الملقب بالكونت لوتريامون، فاعتزل الشعر و الحياة معاً بعمر الرابعة و العشرين، توفي عام 1870م، و يُذكر أن كتابه الأشهر (أناشيد مالدورور)كتبه في الثالثة و العشرين، أثار زوبعةً من الآراء في الأوساط الأدبية.. شكّل حالة فريدة جعلت الناس يُقبلون عليه و يحفظون مقاطع منه إلى أن جاء عصر السوريالية.. حيث تعامل معه السورياليون كدليل لهم.‏

قبل دوكاس بنحو ثلاثة قرون، يبرز في الأدب الإنكليزي كريستوفر مارلو، وُلد عام 1564م، و توفي عام 1593م. لم يكتب سوى ست مسرحيات، من أهمها (دكتور فاوستس)التي تُعتبر واحدة من المسرحيات الأكثر قوةً في تاريخ المسرح العالمي.‏

تخوض أعماله، من مثل (تامبرلين العظيم)التي كتبها و لم يكن بعد تجاوز الثالثة و العشرين من عمره، بتفاصيل تاريخية و تبدو مليئة بدراسة عميقة للشخصيات.. ما يدل على أن معارفه التاريخية و الفلسفية السياسية كانت أكبر من عمره بكثير.. الأمر الذي مكّنه من اعتلاء صهوة العبقرية.‏

مع مارلو لم تتشبّع الحياة أدبياً فحسب.. بل أقبل عليها و خاض فيها فامتلأ من ملذاتها.. و عند هذه النقطة يُعيد التذكير برامبو من جديد كشلة يمكن توصيفها بملاعين الأدب.‏

بمقاييس الجودة الإبداعية هل يمكن اعتبار أولئك قصيري العمر أكثر مقدرةً و إبداعاً من غيرهم من الأدباء الذين عاشوا طويلاً.. الذين تتجمع سنوات عمرهم كحطب توقد عليه مراجل الإبداع فتنصهر و تطهى جيداً.. هل يلزمهم كل العمر ليقولوا ما يريدون قوله.. ؟‏

في الأدب.. بعموم حالاته.. يتخبط البعض في صوغ ما يريد قوله.. بينما يقول البعض الآخر ما يريد قوله هكذا دفعةً واحدة.. يقول كل شيء كومضة.. كإشراقة لا يمكن معها الإعادة أو التكرار.. هل تؤثّر حينها مسألة طول العمر أم قصره.. ؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية