الصراع المحتدم حول المشروعية والوعي الوطني السوري
شؤون سياسية الثلاثاء 20-8-2013 بقلم: د. أحمد الحاج علي في منطق الصراعات الكبرى وحينما تعجز إرادة من الإرادتين عن متابعة الثغرة سرعان ما تتحول هذه الثغرة إلى فجوة وتؤول بعد ذلك إلى ساتر وحاجز يحجب الرؤية
ويعطي الفرصة للطرف الآخر لكي ينجز أجزاء أخرى في مسألة القض على زمام المبادرة، هذا قانون أساسي وحيوي في الصراع وتحدث الفجوة عادة من خلال عوامل بذاتها ولعل أحد هذه العوامل هو تحكيم اللحظة الراهنة بكل قسوتها ومآسيها في بناء حكم أو موقف أي دون ربط حالة الصراع بمقدماته الأساسية الكبرى ودون التدفق الاستشرافي على المدى المتوسط والبعيد لتداعيات حالة الصراع، عندها تنكفئ القوة في المواجهة إلى حدود اللحظة الراهنة وهذا ما يؤدي إلى تحويل الفجوة من حالة أمر واقع إلى ميزة وامتياز للطرف الآخر، ومن عوامل حدوث الفجوة غياب النظرة الشاملة لآفاق الصراع بحيث هناك من يعتقد أنه صراع عسكري في حين أنه صراع بنيوي وإنساني ومصيري، وهناك من يعتقد بأن المقومات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية هي عوامل استثمارية مضافة إلى أنها تأتي لاحقاً للأحداث وتعبيراً عن الصيغ النهائية لما سوف تؤول إليه حالة الصراع.
في حين أن العوامل الاجتماعية والثقافية هي مورد للصراع المسلح مثلما هي مد وتغذية له مثلما هي قوة تأثير في الحالة اللوجستية التي تأتي بكونها قوة تعبير عن عوامل الفكر والثقافة والإعداد الإعلامي، وبصورة عامة فإن ما يلزم لردم الفجوة، إذا كانت قد حدثت أو إيقاف إرهاصاتها وزحفها البطيء وغير المنظور قبل أو أثناء حدوثها، ما يلزم هو توفر عاملين كبيرين هما بمثابة الأسس والطريق والهدف لحالة الصراع، أما الأول منهما فهو رسوخ وتجذير منطق المشروعية في الموقف وعزل الصراع عن الكيفيات التي تريد زجه في الحالات الذاتية أو وجهات النظر أو الرأي الخاص، وفي المشروعية تنصهر الفردية لصالح المجموع والذاتية لصالح الموضوع والمتوفر لصالح المأمول والمطلوب في النهاية وفي المشروعية أيضاً تتمثل عدالة الموقف وهذا ما يدفع بالخيارات نحو الانحياز إلى التسليم أو الانبعاث إلى حد التضحيات، في المشروعية تصبح سيادة الوطن وكرامته ووجوده وحدوده عوامل تحكم من الوزن الثقيل في مجريات الصراع، وفي المشروعية تنتفي الفكرة الهلامية القائمة على تفسير الأمور بأنها وقائع خلاف أو هي تصفية حسابات بالمعنى الضيق ، إن المشروعية تتحد بالوطن كما يستخرجها الوطن من ذاته وعلى قدر ما تقدم المشروعية في الموقف قناعات كبرى وأولويات كبرى أيضاً تصبح معارك الصراع على أرض الواقع محكومة ومحسومة لمن يملك المشروعية أي لمن يملك الوطن ولمن يملكه الوطن أساساً. ومعروف تاريخياً أن عدالة الموقف عبر المشروعية لا تخضع للتأويل العابر ولا تجدي معها حالات التضليل النفسي وتزوير الحقائق وفبركات الإعلام، إن مصير الوطن في النهاية مزروع في حمى المشروعية التي سوف تستنهض من عمق الوطن القوى الفاعلة وتحرك المناطق الراكدة وتحفز الشرائح التي تنتظر مكتفية بالتفرج الآن ومنتظرة أن تميل مع الريح حيث تميل ، والوطن من خلال المشروعية في موقفه كما هو الحال في المرحلة السورية المصيرية الراهنة ينجز معطيات وأحكاماً ونتائج تتعدى المقارنات الميكانيكية والحسابات الصماء التي تعتمد على همجية سلوك الآخرين وعلى نوعية السلاح وعلى استنفار عوامل الحصار الإقليمي والعالمي، والآن نكتشف نحن السوريين ومعنا ولربما قبلنا قوى العالم المتناقضة أن واحداً من الأسرار الهامة في إرادة الصراع ضد الفناء وإدارة الصراع بخصائص الوطن السوري ذلك كله هو الذي أعطى لسورية هذا المدى الزمني حيث نمت قدرة المواجهة وانتقلت من دائرة لأخرى واكتسب خبرة لم تكن غائبة ولكنها لم تكن على رأس قائمة الأولويات، أما الأساس الثاني اللازم إضافة إلى المشروعية فهو الوعي الوطني العام، وهذه ليست مهمة معنوية بل هي قناعات فكرية بالمقام الأول واستحقاقات تتلوها بعد ذلك والتزامات بموادها ومتطلباتها ، لقد أنجزنا في سورية الآن الكيفية التي نطلق فيها المشروعية على الوعي ونعطي الأفق اللازم لكي يتدفق هذا الوعي فيتحول إلى مواجهة على أرض الميدان وإلى اليقين المطلق بأن مصير الوطن لا يخضع للحوار وبأن معايير القوة الصماء سوف تتناثر وتندثر أمام تدفق حالة الوعي الوطني في سورية ولقد قدمت هذه الحالة السورية مقدمات كبرى صار يعتنقها كل مواطن سوري عاقل وشريف منها أن الخيار غير وارد ما بين مصير الوطن والاستسلام لقوى الشر ومنها أن كلفة الاستسلام أصلاً هي أوسع وأعلى وأخطر من كلفة الصمود ولا أحد يصدق أنه لمجرد أن نستسلم للمؤامرة بحجة اضطراب ميزان القوى المادية سوف يردع الآخرين عن قتلنا وذبح أطفالنا وتدمير وجودنا واستباحة أعراضنا لعلنا الآن نعثر على الكنز السوري فوق الأرض وتحت الأرض قبل التاريخ وأثناء التاريخ وبعد التاريخ وهو الذي يؤكد بأن قواعد بناء الوعي ومفاعيله في إدارة المعارك على الأرض ذلك كله ملك لنا ونحن نعلم أن الثمن مرتفع ومستمر ولكننا ننتمي إلى الوطن ونتقن فكرة أن الاستسلام أعلى كلفة من الصمود، لعل الأطراف الأخرى في هذا السياق راهنت على صيغ وآليات كثيرة لتشوش على المشروعية في الموقف السوري من جهة ولتمنع انبعاث وانفجار الوعي الوطني في مجمل مسارات الصراع ومما استخدموه هو إطلاق هذا الهيجان الكمي والنوعي من كل أنحاء العالم ومن الإقليم ومن الداخل السوري ذاته في مسعى مزمن وليس معاصراً أو مفاجئاً أو مستحدثاً بأن العالم كله كما يرسمون هو في مواجهة سورية، ثم انتقلوا إلى توظيف قصة كم وكمية القوة المادية وركزوا على هذا الأمر في إيصال سوريةإلى لحظة الذهول واليأس معاً حيث ادعوا بأنه ما من مكان أو إنسان أو مؤسسة أو منشأة إلا وتصلها يد الإرهاب لكن الذي حدث هو العكس تماماً بدقة، فالآن يتابع العالم كله قانون المواجهة وإدارة المعارك التي تخوضها سورية والتي بموجبها تظهر الحقيقة وهي أن الجيش السوري قادر على الوصول إلى أي نقطة وإلى أي موقع وإلى أي وكر داخل الجغرافيا السورية وعلى تخومها ، ومما استخدموه لتدمير مقومات ومنابع المشروعية والوعي الوطني السوري وهو ذهابهم المبرمج والمزمن إلى اختطاف الإسلام الفكر وسوق المسلمين إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً كقطعان تجيد القتل وتصادر لغة الإيمان والعقل وهاهي الصورة تملأ الأفق ما بين السماء والأرض ، الإرهاب يتداعى وتنظيمات ومنظمات الغرب والفكر التكفيري والقاعدة والإخوان المسلمين تتهاوى يأكل بعضها البعض الأخر ويحدث ما كان كافياً وما كنا نعتقد أنه خارج التداول من خلال صحوة عربية إسلامية تنسف ما دخل دنساً إلى الوطن العربي وتعصف بكل أحلام المستعمرين كما هو الحال في ثورة مصر العظيمة الآن.
|