تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خلط أوراق!

كل أربعاء
الأربعاء 20-6-2012
سهيل ابراهيم

يواصل العرب تجريب مختبرهم الثوري، في معظم البلدان التي هبت رياحها في مواقيت مفاجئة، نزل الغبار فيها إلى الشوارع كي يوحي للناظرين بأن رحى معركة تدور على أرض تشقق وجهها، بعد عقود من الانتظار والأماني الخائبة،

معركة لم تكشف بعد كل أوراقها، ولم نتبين فيها وجوه فرسانها، ولم نقرأ في بياناتهم الصاخبة ما يدلنا عليهم، ولم نسمع في هتافهم ما يقربنا أو يبعدنا عنهم، فالكل يدور في دوامة من الغبار، تختفي وجوههم خلف اللثام، وتختلط بياناتهم بلغات شتى ما عدا اللغة التي نحب أن نسمع، ويصطدم هتافهم بالجدار، فلا يرتد من صداه سوى ما يشبه الأنين، في ميادين لا تصحو إلا على الجراح!‏‏

عملية خلط أوراق ماهرة تجري على أرض العرب منذ أقل من عامين، يتساوى فيها أصحاب النيات الحسنة وأصحاب النيات الخبيثة، ويرتدي فيها الحق والباطل قميصاً واحداً، وتنام فيها الثورة والمؤامرة على فراش واحد، ونتشارك فيها جميعاً عن قصد أو غير قصد، محشورين في دوامة الغبار، لا نعرف موقع أقدامنا، ولا تبصر أعيننا سوى الأشباح، عملية خلط أوراق اشتبك فيها من كانوا مرشحين للتحالف، وتحالف فيها من لا يليق بهم سوى الاشتباك، القوميون، واليساريون، والليبراليون العلمانيون، والاشتراكيون الخارجون من أرحام عقود الزهو في القرن العشرين، كل هؤلاء أو معظمهم أحنوا ظهورهم في الميادين العامة، كي يتسلق عليها الإسلام السياسي ورموزه الظلامية، صعوداً إلى كراسي الحكم، تحت شعار بات يشبه معزوفة الشيطان اسمه الديمقراطية.‏‏

لم تعد فلسطين ومصيرها في حساب أحد، ولا الوحدة العربية وضروراتها التاريخية في برنامج أحد، ولا العدل الاجتماعي وأولويته على جدول أعمال أحد، فقط الديمقراطية وبلسمها السحري صارت بوابة الخلاص لهؤلاء العرب الذين أعمى عيونهم الغبار.‏‏

تسألهم عن فلسطين ومصيرها، فينشدون على مسمعك نشيد السلام، وينبهون ذاكرتك كي تفيق على كامب ديفيد، ووادي عربة وأوسلو، ويقترحون عليك حلاً ديمقراطياً سلمياً، فالأمريكيون لقنوهم أن الديمقراطيات لا تحارب، وتسألهم عن الوحدة العربية، وضرورتها التاريخية فيسخرون من عروبتك ويستحضرون كل ثقافتهم التقسيمية ليقنعوك بأن عصر القوميات قد ولى، وأن الروابط التي استجدت بين مجتمع وآخر هي غيرها التي أرضعنا ساطع الحصري حليبها، فنحن في زمن التكتلات والمجموعات الاقتصادية، لا في زمن الوحدات القومية الدراسية التي سقطت عند أول امتحان، وتسألهم عن العدل الاجتماعي الذي غاب عن جدول أعمالهم، فيحدثونك عن اقتصاد السوق والمذهب الرأسمالي الذي يمسك بمفاصل الاقتصاد العالمي من غرفة عمليات تشرف عليها وتديرها الشركات الخمس متعددة الجنسيات من أبراجها العالية في واشنطن ونيويورك!‏‏

وفي دوامة الغبار يمضي رسل التغيير الجدد في ميادينهم، وخلف متاريسهم، من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، يستلهمون آيات هذا الصنم الديمقراطي، الذي يطلبون وحيه بالحديد والنار، دون أن يكترثوا بمصير أمة توشك هياكل وجودها على السقوط، ودون أن يقتنعوا بأن الديمقرطية ليست انقلاباً، وليست جنيناً أسطورياً يكتسب الحياة على يد الغزو الأجنبي وصواريخ توماهوك وروائح النابالم، بل هي خيار إنساني تمضي المجتمعات على طريقه بإرادتها الحرة، ويتفاعل معه البشر ويصححون أخطاءه بأنفسهم، دون أن ترغمهم عليه إمبراطوريات متجبرة خاضت في دماء العرب عقوداً طويلة، وممالك ومشيخات لم يخرج حكامها بعد من ثقافة رعاة البوادي، ولا يعرفون شيئاً عن الفكر الإنساني سوى أسعار الدولار وفوائد النفط الأسود الذي لا يصلح وضوءهم إلا بزيته، فمرحى إذاً للديمقراطية التي يقترحها علينا هؤلاء، ويجردون علينا من أجلها السيوف!‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية