تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيض الحمام

إلى من يهمه الأمر
الجمعة 30-4-2010م
يوسف المحمود

(تابع):

بعودة المهاجر، للمرة الثانية، من ولاية التوكمان - لاربّوبليكا أرخنتينا، سنة 1932. إن كانت تحسب لي ولادة جديدة. فقد كنت ابن إحدى عشرة سنة، في هذه الولادة. لم يدخل تحت رجلي القد، ولا رجلي دخلت في لباس، بعد!‏

بل أنا لا زلت «طاق القميص» شعر رأسي، من أمام الأذنين، إلى أسفل السالفين، ومن خلفهما إلى النقرة. في الشتاء، تغوص عنقي في نحري إلى الذقن. وفي الصيف. كفرخ السلحفاة، يمد برأسه خارج تلك القصعة المصمتة. أسوق بقرة البيت، للرعي في الأرض الربّاص، من حول عين الضيعة، أو من حول بيوت الحارة. وإن زادت، فلا تتعدى جورة الزيتون البور، خلف الحارة إلى الشمال. حيث ننكش عن جذور «القرفعون» البيضاء، في حافاتها المرتفعة مهدّفة. مرة، كسفوح ضيقة، يتلو بعضها، مرتفعاً فوق بعض. ومرة كجورة تتسع، غرباً أو شرقاً. بترابها الأبيض. يرص بعضه على بعض. يروّم فيها المطر. فتبدو كبرك. يرتجف فيها الماء، بهبوب الهواء الشرقي أو الشمالي. كمثل ما يبدو كذلك، تكمش ظهر البقرة، مسفوعاً بذلك الهواء البارد!‏

وكذلك، إن زادت المساحة غرب الحارة، فلا تزيد على «القمّيدة». حيث ننقب الرجم، عن بيض الحمام. البيضة، حقيقة أو مجازاً، كحبة القضامة. تبدو بيضاء، كبيضة بلا قشر. تقرش بين الأضراس. كما لو كانت حبة بطاطا مقشرة لساعتها. ماؤها لبرودته بلا طعم. تقفقف له النقرة على جانبي الكتفين، قبل أن تعص عليه القرصوبة، بإيعاز من المعدة، أن ستسكر دون صقيعه!‏

أو ذلك البيض الحمام، بلا قشر خلافاً للبيض، ما عدا، أظن، بياض العينين، عند معظم البشر. ولكن، في كل الماعز، الغنم والأرنب. يبصبص في الليل!‏

خيط بيض الحمام ذاك. كان يخرج بطول خيطانا بعمق الرجم. قيل إن الضيعة، أول ما كانت على صخرة القميدة المستديرة. حيناً مصفحة وحيناً مشروقة. كجذع توتة هرمة. كاشفة غرباً، إلى بحر طرطوس. ثم نقلت حجارتها، إلى ما يسمى، في أيامنا بالضيعة. كاشفة في العمق يقال، إلى قبرص. تنظر في أيام الصحو. وشمالاً يقدّر منها موقع جبلة. واللاذقية تلمح كغيمة على حائط عريض مرتفع. وجنوباً بما يتسع بحر طرطوس، من حول أرواد، وجون عكار، إلى الميناء من تحت طرابلس. تشعشع بالكهرباء كل ليل. وحتى ينسدّ مدى ذلك الجنوب، برأس شكّا الضارب في البحر. كسيف عنترة الأبيض، في زنده الأسود! يرى من رأس جبل بوحمار، فوق الضيعة. كما كنا نتفرج من هناك، على الشخاتير بالقلوع بيضاء كالحمام. يكاد بعضها يضرب ببعض. تسرح قبالة طرطوس وأرواد. تفرق جنوباً إلى ميناء طرابلس وشكا. أو شمالاً إلى اللاذقية. أو تغيب عن نظر العين. فيما يقدر بجهة قبرص ذاهبة. أو قادمة، نقول بالخرنوب، كيفما يكون عسل الخرنوب!‏

أيضاً، بيض الحمام ذاك، يخرج محبحباً عقداً عقداً، بطول ما نستلّه خيوطاً، بعمق ذلك الرجم. نتزنر به، طوقاً على طوق، في خصورنا. أو نربطه، سخابات سخابات كالخرز الأزرق. أو اللؤلؤ الأبيض، في رقابنا. وإذا ما حاولنا - نقول نشويه على نار. فقد يطفي النار بمائه المصقع، يذوب أو لا يذوب!.. (سيلي)‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية