أوحتى الحديث بأسرار عائلية خاصة، وهم لايدرون أن هناك من يسجل هذه الأحاديث ويراقب مايدور بدقة لينقله في أقرب فرصة أو مناسبة كزيارتهم لبعض الأهل أو حتى أثناء ضيافتهم لهم، وعندها قد تتحول هذه الزيارة من مناسبة للتقارب إلى تباعد وفرقة وإشاعة التوترات والأجواء المشحونة وربما يقود نقل هذه الأحاديث إلى انهيار علاقات قوية، فعلى حد قول الكثيرين، الطفل بما يحمله من براءة وعفوية لايكذب، وإلا فمن أين أتى بهذا الكلام، ولو لم يقله الكبار لما تحدث به الصغار.
عن غير قصد
وقد تقود تلقائية الأطفال إلى نشر بعض الأسرار العائلية الخاصة جداً كالمشاجرات بين الأب والأم، أومايدخرونه من مال بعيداً عن أعين الغرباء، وأمام محاولات البعض لاختراق خصوصية العائلة وأسرارها لغاية ما، فيجدون في الأطفال وسيلة لتحقيق ذلك، وعلى حد تعبير البعض«خذوا أسرارهم من صغارهم» علماً أن الطفل عندما يبوح بذلك أو ينقل الأخبار والأحداث، فإنه يقوم بذلك عن غير قصد، لأنه لايدرك عواقبه السلبية، ولايعي أن مايسمعه أويراه، سر عائلي لايجوز إفشاؤه.
لذلك قد يلجأ بعض الأهل إلى أخذ الحيطة والحذر نتيجة لتجربة ما، أو وضع محرج بسبب تصرفات الأطفال التي تسبقها العفوية والتلقائية والبراءة، فنجد الأم أو الأب يكثر أحدهما من الايماءات والايحاءات أو الحديث بالرموز والألغاز تحسباً من ذاك الجاسوس الصغير البريء الذي يسجل كل صغيرة وكبيرة..
فماالذي يدفع ببعض الأطفال إلى نقل مايدور في البيت إلى الآخرين، وهل يمكن أن يدل ذلك على خلل لدى الطفل الصغير، سواء من الناحية النفسية أم التربوية؟...
شعور بالنقص أو لجذب الأنظار
تلك الاستفسارات والتساؤلات التي تحير الأهل، أجابتنا عنها الدكتورة منى كشيك مدرسة في كلية التربية- جامعة دمشق، بقولها: هناك سن محددة تكثر فيها عادة نقل الأحاديث والأخبار، وهي تتراوح مابين 6-8 سنوات، وهو العمر الذي يحاول فيه الطفل أن يكون شخصيته، وذلك من خلال تقليد الأهل عبر سماع أحاديثهم والاصغاء إليهم، وهو يلجأ إلى ذلك عن غير قصد ولأسباب مختلفة أهمها شعور الطفل بالنقص ورغبته في أن يكون محط أنظار الآخرين وإعجابهم، وليحصل على قدر كبير من العطف والرعاية والاهتمام من المحيطين به،ويمكن للطفل أن يتخلص من هذه العادة غير المرغوبة اجتماعياً عندما يصل إلى مستوى يستطيع فيه أن يميز بين الخطأ والصواب..
ومن الضروري ألا يتجاهل الأهل هذا السلوك ، ولابد من تقويمه بالطرق التربوية السليمة، لأنه من الممكن أن يلازمه في نشأته ويتطور معه حتى المراحل العمرية المتقدمة، وبذلك يصبح الطفل ذا شخصية ناقلة للكلام واشياً للأسرار ما يجعل الآخرين يتجنبونه، وبالتالي يؤثر على علاقاته الاجتماعية ويكون غير مرغوب به من قبل الآخرين..
منحه الحب والاهتمام
ومن الناحية التربوية ترى د. كشيك : أنه يمكن السيطرة على هذا السلوك باتباع طرق تربوية تخلص الطفل من هذه العادة السيئة دون أن يؤثر ذلك على شخصيته وبنيته النفسية، فالأطفال عادة يقومون بذلك وهم لايدركون عواقبه السلبية والطرق المطروحة تربوياً تعتمد على وعي الوالدين لأسباب المشكلة وتحديدها، ومن الضروري منح الطفل الحب و الاهتمام وإشعاره بدوره ووجوده المهم في الأسرة ، وذلك من خلال تعزيز سلوكياته الإيجابية بالثواب والمديح والهدايا.
كما ينبغي الابتعاد عن استعمال العنف والعقاب البدني، واللجوء إلى زيادة ثقته بنفسه وإحساسه بقدرته على تحمل المسؤولية، ومن الأجدى للوالدين عدم الحديث عن الآخرين أمام الأطفال، وأن يشرحا للطفل أهمية الخصوصية العائلية، ولفت انتباهه إلى أن مايدور في البيت هو من الأمور الخاصة التي يجب ألا يعرفها الآخرون..
تنمية القيم الإيجابية
كما يمكن عن طريق القصص والحكايا نقل القيم والسلوكيات الحميدة والإشارة إلى التصرفات الخاطئة وأنها غير مرغوبة اجتماعياً، خاصة أن الأطفال في هذا العمر يحبون رواية القصص وسماعها، ولابد من الإشارة إلى ضرورة عدم استهانة الوالدين بذكاء الطفل وبقدرته على تفهم مايطلب منه، فهناك الكثير من الأطفال الذين وجدوا توجيهاً سليماً حافظوا على أسرارهم العائلية ضمن جدران المنزل، بالإضافة إلى أهمية ايلاء الأهل الاهتمام بكشف المواهب وتنميتها لدى الطفل ومساعدته على تنمية القيم الإيجابية وبذلك تصبح أسرار البيت جزءاً من أسراره وخصوصيته...