وتتعلق الخلافات بمسألة نشر تقرير عام عن هجوم مزعوم وقع في 7 نيسان من عام 2018 في سورية والذي راح ضحيته عدد من الاشخاص.
وقد أظهرت السلسلة الأخيرة من الاعترافات بما لا يدع مجالاً للشك أن محاولات اسقاط الدولة السورية التي قادتها الولايات المتحدة في سورية والتي بدأت مطلع عام 2011 اعتمدت على كم هائل من الأكاذيب.
وكانت حكومة ترامب وحلفائه الأوروبيين قد أطلقوا رشقات صاروخية ضد سورية قبل أسبوع من وقوع الهجوم المزعوم واستندوا على (فيديو) مصور يظهر من خلاله ضحايا مفترضين وهم يلهثون وقد سال اللعاب من أفواههم داخل أحد المستشفيات والهجوم الذي قادته الولايات المتحدة كان بمثابة جريمة حرب تنذر باندلاع نزاع مع إيران وروسيا اللتين تقفان إلى جانب الشعب السوري وعدعمان في حربه على الإرهاب وهي حرب تدور تحت رعاية وإشراف وكالة المخابرات الأميركية(سي آي إيه).
إدارة الرئيس ترامب لم تكلف نفسها عناء الحصول على تأكيد مستقل عن الإدعاءات والاتهامات التي روجتها ضد سورية قبل اللجوء إلى التدابير العسكرية، وقد ساقوا تبريرات لعدوانهم خلال أشهر تلت الواقعة بالاعتماد على تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وموقفها الموضوعي على حد زعمهم.
في تلك الأثناء، نشرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مجموعة من الوثائق الداخلية عن (ويكيليكس) وتولى روايتها في صحيفة(الديلي ميل) المؤرخ الصحفي بيتر هيتشنز وقد أظهرت أن أعضاء مهمة التحقيق في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في مدينة دوما السورية قد أعربوا عن مخاوفهم الجدية المتعلقة بالأدلة التي حذفت من التقرير النهائي بغية توريط الدولة السورية.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الأوروبيين قد صبوا الزيت على نار الحرب الدائرة في سورية، وللقيام بذلك اعتمدوا على المجموعات الإرهابية المتطرفة والتي أطلقوا عليها صفة (معتدلة) بمن فيها تنظيم(القاعدة) وتوابعها، وقد استهدفت الحرب اسقاط الدولة السورية واستبدالها بحكومة خاضعة للغرب وبالتالي فإن الإدعاء القائل بأن الجيش السوري قام باستخدام الأسلحة الكيميائية لم يكن قضية منفردة، بل أضافوا إليها أنه استخدم أيضاً(البراميل المتفجرة)وقد استخدمت واشنطن وحلفاؤها هذه الادعاءات لتبرير الهجمات الغربية طوال فترة الحرب وإضعاف الدولة السورية.
وثمة مذكرة إدارية أرسلت إلى فيرناندو آرياس المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 14 آذار عام 2019، وقد كان عضواً في لجنة التحقيق التي أرسلت إلى مدينة دوما لتحليل العبوتين اللتين كانتا المصدر للغاز السام المزعوم، وتضمنت المذكرة أن حوالي 20 مفتشاً أعربوا عن قلقهم بخصوص التقرير النهائي الذي جرى نشره في بداية الشهر نفسه.
وأوضح كاتب المذكرة أن أعضاء لجنة التحقيق اعتبروا أن التقرير(لا يعكس وجهات نظر أعضاء الفريق الذي أرسل إلى مدينة دوما)وكشفت المذكرة أن مفتشاً واحداً من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كان في سورية، وقد اشترك آخر المطاف في كتابة التقرير النهائي.
وأخيراً، كانت مآخذ الكاتب في تقريره أن مصدر العبوتين اللتين عثر على أحديهما في سرير والأخرى فوق سطح أحد المباني لم تذكر في التقرير النهائي الذي نشر في شهر آذار .
(ويكيليكس)نشرت أيضاً المشروع الأول للتقرير بالنيابة عن لجنة التحقيق، والذي أشار إلى أن المحققين (لم يكونوا قادرين على تقديم التوضيحات اللازمة عن الأضرار المتواضعة التي تسببت فيهما العبوتان اللتان أسقطتا من علو مجهول، وهذا ما تؤكده الأدلة والبراهين أنه لم يتم إسقاطهما من الطائرة والتي جرى حذفها من التقرير النهائي.
وكما لاحظ هيتشنز المؤرخ الصحفي في تقريره، أن التقرير النهائي الذي زوّر من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أغفل التحفظات التي أبداها المحققون في لجنة التحقيق والتي أظهرت أن الاكتشافات لا تتطابق وصور(الفيديو)للضحايا المزعومين والزبد الذي يخرج من أفواههم، فالأعراض مطابقة لهجوم بغاز السارين وليس بغاز الكلور.
وتندرج المجموعة الأخيرة من التسريبات في إطار التعتيم الإعلامي على النشر، ففي نهاية تشرين الثاني أرسل أحد أعضاء لجنة التحقيق في سورية رسالة أعرب فيها عن(مخاوف خطيرة) بخصوص التقرير النهائي والمقاطع التي حذفت منه، وينظر إلى أولئك الذين تحدثوا عن تلك التسريبات وأثاروا مسائل تتعلق بالرواية الرسمية للهجوم الذي حدث في مدينة دوما السورية باعتبارهم عملاء للروس أو مدافعين عن الدولة السورية.
ومنذ فترة قصيرة قدم طارق حداد الصحفي البريطاني في (نيوزويك) استقالته كاحتجاج على رفض رؤساء تحرير المجلة نشر تقريره عن تسريبات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وقد أعلن حداد على موقعه في(تويتر)الأسباب التي دفعته للتخلي عن النشر، وعقب ذلك، خرج ناطق رسمي عن (نيوزويك)مجهول الاسم مقللاً من أهمية الصحفي طارق حداد قائلاً لـ(فوكس نيوز)بأن ما كتبه حداد يقع في خانة(نظرية المؤامرة أكثر من كونها تقريراً موضوعياً وهادفاً).
لكن كل الجهود التي بذلها رؤساء تحرير مجلة(نيوزويك) وباقي وسائل الإعلام الكبرى لمنع أي تقرير من النشر لم تفلح في الحيلولة دون نشر الحقائق التي تابعت طريقها إلى العلن، إن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أظهر بوضوح أن ثمة أسباباً فعلية ليعرب الصحفيون عن قلقهم من الرواية المتعلقة بحدث مدينة دوما، هذا الحدث ربما استخدم في إشعال حرب عالمية ثالثة.