تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التعــــويض الإســــرائيلي للأمــــم المتحـدة.. تســاؤلات مشروعة

شؤون سياسية
الجمعة29-1-2010
بقلم: محمد خير الجمالي

قبل أيام قليلة كشف المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نيسيركي عن أن إسرائيل دفعت 10 ملايين و500 ألف دولار للمنظمة الدولية

تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بمنشآت الأونروا أثناء العمليات العسكرية الإسرئيلية على غزة قبل عام.‏

وبهذا التعويض تكون الأمم المتحدة قد سوت خلافها مع إسرائيل حول ضرب وتدمير منشآت الأونروا التابعة لها ليبدو الخلاف وكأنه خلاف حول تعويضات مادية وليس مسألة تتصل بجريمة حرب إسرائيلية تتمثل بضرب منشآت مدنية تابعة للأمم المتحدة تقوم بمهمة إنسانية أثناء الحرب ويحرم القانون الدولي الاعتداء عليها أو تقييد دورها, ويعتبر ذلك انتهاكاً سافراً لمبادئه تتخطى تسويته مسألة التعويض المادي إلى حد إدانة من يرتكبه بجريمة حرب ومعاقبته عليها.‏

اذا كان التعويض المادي جزءاً من العقوبة المستحقة على من يرتكب مثل هذا العمل أثناء الحرب أو في أي وقت آخر يصبح مقبولاً ومطلوباً ليفهم الجاني أن عمله المنافي للقوانين الدولية لن يمر دون عقاب, أما إذا كان هذا التعويض يغطي على الجريمة ويعفي الجاني من مسؤوليته السياسية فعندئذ لا نجد تفسيراً لذلك إلا أنه محاولة للافلات من العقاب السياسي الذي يجب أن ينزل بمن ارتكب الجريمة وهو هنا مقاضاته قانونياً عن جريمته ليشمل الحكم في النتيجة التعويض مضافاً إليه العقاب القانوني سجناً كان أو غير ذلك.‏

أما إذا اقتصر الأمر على التعويض فقط فيكون عندها قد تم التنازل عن الحق المعنوي لقاء ضمان الحق المادي, ما شجع إسرائيل في حالة التعويض عن أضرار الأمم المتحدة في غزة على الرغم بأنها لا تسمي المبلغ المدفوع تعويضاً عن أضرار ناجمة عن عمليات عسكرية, وما جعل مسؤولاً فلسطينياً يدرج هذه الصفقة في إطار الفضيحة السياسية التي من شأنها تمكين إسرائيل من التنصل من جريمة الحرب التي اقترفتها في غزة بحق الأمم المتحدة ومنشآتها الإنسانية ودورها أثناء الحرب.‏

وأبعاد هذه القضية لا تقتصر فقط على ما تعنيه من تخل عن حق بملاحقة إسرائيل على جريمتها هو بالمحصلة ملك للأسرة الدولية كلها لا يجوز التصرف به والتنازل عنه تحت أي ظرف, بل تتجاوز ذلك أيضاً إلى حدود طرح العديد من الأسئلة المشروعة حول حقوق ضحايا الحرب الإسرائيلية من الفلسطينيين وحول الدمار الهائل الذي لحق بالأبنية السكنية والبنى التحتية وحول تشريد عشرات الألاف من أبناء غزة لفقدانهم مساكنهم, وحول حرمان آلاف التلاميذ من متابعة الدراسة بسبب تدمير مدارسهم, وقبل هذا كله حول جرائم الحرب والجرائم المروعة ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل بدم بارد ووثقها بمئات الشهادات والقرائن والوقائع تقرير غولدستون وتوصيفات منظمات وهيئات حقوق الإنسان التي زارت القطاع ورأت المشاهد المروعة لهذه الجرائم ونتائجها..؟.‏

لقد تمت تسوية الخلاف بين الأمم المتحدة وإسرائيل حول جريمة هذه الأخيرة بحق منشآت الأونروا ودورها الإنساني وحقوقها بسرعة وعلى أساس تعويض مادي لا يرقى إلى مستوى الانتهاك الإسرائيلي لحقوق المنظمة, فيما بقيت جرائم الحرب الإسرائيلية معلقة ودون متابعة فاعلة من الأمم المتحدة التي تعد الجهة الأولى المخولة بمتابعة هذه الجرائم وتطبيق أحكام القانون الدولي بحق مرتكبيها, ليكون السؤال الأهم الذي تثيره مسألة التعويض وسرعة تسديده بين كل الأسئلة المثارة هو: هل بات دور المنظمة الدولية ينحصر فقط في إطار الاهتمام بمنشآتها وسلامتها والتعويض عن الأضرار التي تلحق بها جراء الحرب, ولا يتخطى ذلك إلى حدود تطبيق العدالة الدولية بحق جرائم حرب أهدرت الدم الفلسطيني ظلماً وعدواناً وقتلت 1400 فلسطيني بأسلحة محرمة دولياً من اليورانيوم المنضب وسواه..؟.‏

إن إسرائيل لم تسارع إلى دفع التعويض للأمم المتحدة اعترافاً منها بجريمتها ضد الأونروا فهي لا تعترف بهذه الجريمة خصوصاًَ وأن تاريخها بارتكاب عشرات الجرائم ضد الأمم المتحدة منذ اغتيال الكونت برنادوت ومروراً باعتداءاتها المتكررة على القوات الدولية وتطاولها على شخصيات أممية كشخصية كورت فالدهايم لمجرد أن وقفت إلى جانب عدالة القضايا العربية.‏

وهذا يعني أن إسرائيل تريد من دفع هذا المبلغ تطويق تداعيات الانتقادات التي دأب على إطلاقها العديد من المسؤولين الدوليين الذين تحركهم ضمائرهم وعلى رأسهم المقرر الأممي الخاص لحقوق الإنسان ريتشارد فولك والقاضي الدولي ريتشارد غولدستون للسياسة الإسرائيلية وجرائمها وأحكام القانون الدولي بحق هذه الجرائم ومرتكبيها, وذلك في محاولة مكشوفة للتعتيم على جرائم حربها وتمكين مسؤوليها السياسيين والعسكريين من الإفلات من مسؤوليتهم والعقاب الدولي الذي ينتظرهم, ويكفي دليلاً على ذلك أنها ترفض لهذه اللحظة تشكيل لجنة خاصة بالتحقيق في ارتكابات جرائم جيشها بغزة.‏

فبعد أن فشلت إسرائيل في حملتها ضد تقرير غولدستون ونداءات ذوي الضمائر الحية لضرورة مساءلتها على جرائمها, وبعد خشيتها من أن تجد نفسها ومسؤوليها أمام استحقاقات العدالة بمحاكمة دولية, لجأت إلى محاولة الإفلات من هذا الاستحقاق بصفقة تعويضات تريد منها مقايضة التعويض عن جريمتها ضد منشآت الأونروا بالتغطية والصمت عن جرائمها بحق الفلسطينيين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية