أوباما.. بين فكي الإيباك والمحافظين الجدد
شؤون سياسية الأربعاء 5-8-2009م علي سواحة يكثر الحديث في هذه الآونة سواء من داخل أميركا أم من خارجها بشأن رهانات عديدة على مقدرة نجاح الرئيس أوباما أو فشله
في إيجاد الحلول لملفات عديدة فرغت سمعة ومصداقية الولايات المتحدة في مستنقع الوحل الذي لم يجلب لها سوى العار والبغض وكراهية الشعوب.
وقبل الإجابة عن رهانات الخسارة أوالربح لمبادرات الرئيس أوباما حيال العديد من تلك الملفات وفي مقدمتها ملفي الصراع العربي الصهيوني والانسحاب من العراق لعلنا نجد فيها ما يطفئ ظمأنا في الكتاب الذي أصدره مؤخراً المؤرخ والناقد الأميركي (ريتشارد هوفتستادتر) بعنوان (التراث السياسي الأميركي) الذي غاص في أعماق الحقب الرئاسية الأميركية وسبر أغوارها من جورج واشنطن والآباء المؤسسين لأميركا إلى الرئيس فرانلكين روزفلت والخلافات التي كانت قائمة على امتداد هؤلاء الرؤساء في أوساط المحافظين من جمهوريين وديمقراطيين وبين الليبراليين، وتوصل إلى قناعة مفادها أن ما يسمون بالليبراليين لم يكونوا على هذه الدرجة من الليبرالية التي كان يعتقدها الناس وأن الفرق بين الليبراليين والمحافظين وبين الجمهورين والديمقراطيين في الإدارات الأميركية السابقة لم يكن فرقاً جذرياً كما يظنه البعض بحيث يجعل كل قطب منهم يناقض القطب الآخر تماماً، ويؤكد المؤرخ الأميركي ريتشارد هوفتستاردتر في كتابه أن هناك منظومة من المفاهيم والأفكار المشتركة اتسمت بها عهود التاريخ الأميركي جميعها وسار جميع الرؤساء الأميركيين على هذا النهج واتبعوا هذه الخطة، أي إنه كان يجمعهم قاسم مشترك وعامل يحدث شيئاً من التناغم في سياساتهم في نهاية المطاف، وكان هذا القاسم المشترك يقوم على عنصرين الأول الوطنية والحس القومي المشترك الذي يلملمهم تحت لافتة الشعور الوطني، والعنصر الثاني هو الرأسمالية ويرى هذا المؤرخ والناقد فتستادتر أن الرئيس أوباما لم يستطع إلى اليوم التحرر من ذاك الإرث الثنائي لأسلافه من الرؤساء السابقين لأميركا لذلك يقول: على الذين يعولون كثيراً على الرئيس أوباما اليوم سواء في الداخل أم في الخارج أن يعوا تماماً طبيعة النظام الأميركي وتحالفاته . ففي الداخل الذين يعولون كثيراً على أوباما وخاصة من بين جلدته السود يرون أن وصوله إلى الرئاسة قد يجهض مساعيهم ومطالبهم في المساواة مع البيض على عكس اعتقاد البعض أن مجرد وصوله للرئاسة قد يرفع سقف مطالبهم ويخلصهم من عقدة الدونية في المجتمع الأميركي وشعورهم بالاضطهاد، وذلك لخوفهم من أن هذه العقدة عقدة (العرق واللون في أميركا) قد تدفع الرئيس أوباما ضدهم على طريقة الحاكم الذي يظلم أهله كي يظهر عدله أو على الأقل لايحاول رفع الغبن عنهم حتى لايتهم بمحاباتهم وخوفاً من حدوث ردة فعل عنصرية من بعض البيض الأميركيين.
والحال كذلك في الخارج الأميركي الذين يراهنون على التغيير القادم مع الرئيس أوباما حيث تميل الكثير من الحقائق ومجريات الأمور على أرض الواقع إلى أن الرئيس أوباما لايستطيع الخروج أو أن يشذ عن مدرسة أسلافه من الرؤساء الأميركيين سواء في شنه مزيداً من الحروب وتحديداً في المنطقة الأكثر رخاوة منطقة الشرق الأوسط سواء لإثبات جدارته وأهليته كرئيس وكقائد أعلن للقوات الأميركية أم رغبة في الهروب إلى الأمام من الأزمات والتحديات في الداخل وخصوصاً أن إسرائيل إلى اليوم تواجهه بصريح العبارة، رافضة مبادراته ولاسيما بشأن حل الدولتين إسرائيل وفلسطين، ووقف الاستيطان اليهودي، أضف إلى ذلك أن كل الاحتمالات قائمة وجاهزة كما يبدو لأن يكون الرئيس أوباما أقرب للوقوع ضحية ضغط ومزايدات اليمين من المحافظين الجدد واتهامهم له بالتهاون في الدفاع عن الأمن القومي لأمريكا والتفريط في مصالحها وإظهارها ضعيفة عبر سياساته التصالحية والمهادنة التي جعلت العديد من القوى الأخرى تتحدى الهيبة الأميركية. إذاً الرئيس أوباما أمام امتحان عسير إذا كان جاداً في تحقيق وعوده لكنه إن أرادها حقيقة هذه المرة فهو الأقدر على فعل الكثير وفي كلتا الحالتين الرهان على التفاؤل أمر مشكوك فيه.
|