ومايجري على الاستيطان يحدد مصير الملفات الأنفة الذكر، فلا يمكن أن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين في ظل الاستيطان القائم فيها، ولايمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافياً في ظل الاستيطان القائم في الضفة والأغوار، ولادولة بحدود 67 في ظل تربع الاستيطان على أكثر من 25٪ من أراضي الضفة، ناهيك عن تمدد جدران الضم والفصل العنصري وماتسميه اسرائيل بالاحتياجات الأمنية على حدود أوسع من ذلك بكثير، ولايمكن إغفال حقيقة أن مصادر المياه الرئيسة في الضفة أصبحت تحت الكتل الاستيطانية الكبرى وجدران الضم والفصل العنصري، أي إن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة المياه، وغير قابلة للحياة، وعليه غدت جميع العبارات الواردة في خريطة الطريق، عن الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً والقابلة للحياة وغيرها من العبارات الشعرية، مجرد عبارات للاستهلاك الإعلامي ولامعادل لها على الأرض.
والخلاف الشكلي القائم اليوم بين واشنطن وتل أبيب، والذي أفضى إلى مصطلحات جديدة من نمط «التجميد المؤقت للاستيطان مقابل التطبيع» هو بحد ذاته تضليل وتجاوز لحقيقة المأزق والعقبة التي وضعها الاستيطان في طريق السلام، والحقيقة إن إسرائيل تشاغل العالم بذيل الأفعى دون المساس برأسها السام، وبهذا ضاعت الأولويات واختفت المرجعيات، فإذا كان الحديث يجري عن التجميد مقابل التطبيع، فماذا مقابل التفكيك، وهل هناك تفكيك أساساً، ومن المرجعية في الاستيطان؟
قرارات الشرعية الدولية التي تحرم كل أنواع الاستيطان والتغيرات التي أجرتها اسرائيل على واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة، أم أن الحديث يجري عن لاشرعية المستوطنات التي تنوي اسرائيل إقامتها فقط، ففيما يجري بين واشنطن وتل أبيب هناك عملية تبسيط وتسطيح غير مسبوقة للاستيطان إلا في تفاهمات بوش وشارون، وقصر الحديث عن الوقف والتجميد وماشابه ذلك، يعني بوضوح أن المرجعية بشأن الاستيطان القائم هي تفاهمات بوش وشارون وليست الشرعية الدولية، وإذا كانت واشنطن جادة في معالجة ملف الاستيطان عليها أن تعيد هذا الملف وملف التسوية برمته إلى مرجعياته الأساسية، وحتى خريطة الطريق لاتشكل مرجعية صالحة وعادلة لمعالجة موضوع الاستيطان، وفي نصها المتعلق بالاستيطان لم ترد أي إشارة لقرارات الشرعية الدولية، بل كان النص حرفياً، الحل بشأن الاستيطان هو حل متفاوض عليه، وهذه العبارة بحد ذاتها تشكل انحيازاً واضحاً لإسرائيل، فالحل المتفاوض عليه لامرجعية له سوى الوقائع على الأرض، لذا سرّعت اسرائيل من وتيرة الاستيطان بهدف إحداث تغيرات على الأرض يصعب التراجع عنها.
إن ماتدافع عنه حكومة نتنياهو وتسميه نمواً طبيعياً هو استمرار لأخطر مرحلة استيطانية، وهي مشروع شارون عندما كان رئيساً للجنة العليا للاستيطان، وقد هدف المشروع إلى إقامة قطاع استيطاني لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتركيز الاستيطان في المناطق الغربية «السفوح الغربية» لدعم المناطق الساحلية، بالإضافة إلى مجموعة من المشاريع الاستيطانية داخل اسرائيل يكون توسعها باتجاه الشرق، ويكون توسع المستوطنات الشرقية باتجاه الغرب، لتشكل معاً كتلاً تقطع الخط الأخضر وتشكل نجومه السبعة على طول الخط الأخضر بدءاً من الشمال «أم الفحم» وحتى الجنوب «منطقة اللطرون» خطاً حدودياً جديداً، وقد تم فعلاً إنجاز معظم هذا المشروع وبذلك حددت اسرائيل معالم الحدود (المؤقتة) ولاترغب بتسميتها حدوداً دائمة على أمل ضم أكثر من ذلك.
لذا لاتعتبر إسرائيل ماتنفذه من مشروعات استيطانية استكمالية في القدس والكتل الكبرى خروجاً عن الرؤية المشتركة الإسرائيلية الأميركية للتسوية، والمطلوب اليوم جهد فلسطيني وعربي مشترك يفتح على جهد دولي حقيقي، يؤدي إلى تصويب التعاطي مع موضوع الاستيطان بوصفه جوهر الاحتلال.