كي نســـتســــلم... دون ســــــلام!!
شؤون سياسية الأربعاء 5-8-2009م د. أحمد الحاج علي هناك من يريد أن نفصل مواقفنا على قدر حالة الأمر الواقع وهذه نزعة ليست مضافة أو تأتي لماماً، إنها على ما يبدو منهج ثابت والغريب فيه أنه مبني لحالنا العربي على وجه التحديد،
أي هو تفصيل جاهز بمواصفات الحال العربي بحيث يتغير الاتجاه بصورة كاملة ويصبح العرب مطالبين بأن يحكموا في كل ما يصدر عنهم من قرارات و مواقف وسياسات الحالة الراهنة عبر منطق الأمر الواقع، ومن المعروف أن الأمر الواقع في الحياة العربية هو خليط من هزيمة الداخل وضياع المعالم والحدود في القضايا الكبرى مع احتساب شديد التأثير لإرادة الآخرين فينا وعلينا وهكذا فإن المعيارية المطلوب تعميمها هي معادلة مؤلفة من فكرتين، أن نعتنق سلبيتنا العربية بكل اتجاهاتها واحتمالاتها وأن نسلم قيادة أمرنا للأجنبي من خارج الحدود، والأجنبي هو الولايات المتحدة الأميركية في هذه اللحظة، وهو الغرب الأوروبي في لحظة سابقة، وهو الصهيونية والكيان الصهيوني في اللحظتين معاً ونعترف بهذا السياق أن التمييز نوعياً ومنهجياً ضروري بين الواقعية والأمر الواقع، فالواقعية هي اتجاه منظم ونزعة منهجية في كشف حقائق الذات ومعرفة مقادير القوة والضعف في الحال العربي وهي تبصر بالآخر ولاسيما حينما يكون هذا الآخر معادياً أو غير صديق في الحد الأدنى، إن الواقعية تخلصنا من أوهام الحلم المخدر وتضبط حركة الفعل العاطفي وتضع الشعارات في مستواها وسياقها، وتجعلنا نبني القرار في أرض الواقع الحي وبما يضمن تشغيل مجمل الطاقة المتوفرة والاتجاه بعد ذلك لتطوير هذه الطاقة إلى آفاق التكامل والاختيار النوعي ومن أصول الواقعية ثلاث حقائق هي قواعد التأسيس وحدود الحركة أما الحقيقة الأولى فهي أن ننطلق من ذاتنا الراهنة فلا نتستر على خلل ولا نقع في مطب اليأس وهذا أمر يحتاج إلى عقل منير ونبض ثابت وشجاعة أدبية وسياسية لايعرف طعمها وضرورتها إلا من آمن بوطنه وانتمى لقضاياه واتخذ قراراً بأن محور الحياة هو مواجهة التحديات والانطلاق نحو الأمام باستمرار، وأما الحقيقة الثانية فهي أن نعرف الآخر ما هو تكوينه وعلى أي مسافة يقع منا ومن قضايانا وأن نحتسب خصائص قوة الآخر كما هي دون وهم إضعافها وبعيداً عن تقويمها بالمتغيرات المرحلية الطارئة، وأما الحقيقة الثالثة فهي أن نبني منهجنا الذاتي على هذه القاعدة من وعي الداخل العربي ومواقف الآخرين الغرباء منا، وتوصيف الواقعية بحقائقها الثلاث هذه لن يكون مجرد الإقرار بما هو قائم بقدر ما هو التحفيز للبدء بالفعل الواضح أولاً والتطلع نحو ما يجب أن يكون عليه الفعل العربي واتجاه الحركة العربية وإيقاع الموقف المشترك عبر سرعة الحركة أولاً وعبر تسارع هذه الحركة فيما بعد وبهذا المعنى فإن الواقعية هي إرادة بالمقام الأول ومؤشر صحة وسلامة بالمقام الثاني، ثم إنها منهج ضبط حتى لا نتسرب نحن العرب في الهذيان وهلوسة المواقف المتكلسة أو أن يتسرب إلينا نحن العرب ذلك المنسوب المتكاثر من التيئيس واليأس من ذاتنا والمطالبة المتزايدة بعد ذلك بأن نعتنق الأمر الواقع ولا ننسى أن نتوكل على الله ونحن نعهد قضايانا ووجودنا للأجنبي الذي ثبتت الرؤيا في أنه هو القوة وليس مجرد القوي وهو المالك وليس مجرد الشريك وهو الضامن وليس مجرد المتعهد الحصري لأحوالنا، والصراع مازال محتدماً رغم أنه غير متبلور في العلاقة ما بين الواقعية والأمر الواقع، وهو الصراع الأكثر ضرورة رغم أن كل الضغط يجري لطمس معالمه، ومن الواضح أنه لا قيمة لتعويم مسارات الصراع بالكلام المنمق والمصطلح الهائم مالم تتحكم في إرادتنا اعتبارات الصراع ما بين الواقعية كمنهج والأمر الواقع كوباء مرضي، لدينا في هذا المعنى إشارات مهمة وحيوية أطلقها الرئيس بشار الأسد، في بعضها حاول أن يرسم الموقف الحقيقي في أصول الواقعية بعيداً عن وهج الشعارات وبعيداً عن نبرة اليأس كان يؤكد على أنه من الضروري أن تتوازن معادلة الواقع والسلوك عند العرب حتى لا نخاف حينما يجب علينا أن نمتلك الثقة والشجاعة وحتى لا نتمزق في لحظة الوحدة ولا نيئس في موعد اليقين، أفكار كثيرة أطلقها الرئيس هي بالمجمل معيارية المنظومة الثلاثية عبر الوجود العربي والحق العربي والسلوك العربي وهذه المعيارية من شأنها كما هو واضح أن تنتج أثرين مهمين ومباشرين الأول يتمثل في ردع الذات العربية من أن تتلاشى أو تستجيب لضغوط التلاشي المصممة بعناية والمعممة بكثير من الإصرار الغربي والصهيوني كما هو واضح الآن والأثر الثاني هو أن يبقى الواقع العربي في منطقة التحرك والفعل وإن كانا في الحد الأدنى أو عند المعالم الأولى لما يجب أن يكون عليه الموقف العربي نفسه، إن ذلك بالتأكيد يرسخ قيمة الردع في الذات وقيمة البدء في الفعل الواعي المتنامي، ومن عناصر هذه الإشارات المهمة التي أطلقها الرئيس بشار الأسد أن يكون مقياس الذات في الذات نفسها بحيث لا نتلون ولا نتكون تبعاً لإرادة الآخرين وتحت وطأة استراتيجيات الغرباء التي توقع هناك في الغرب وتطبق ميدانياً في الوطن العربي، نستطيع أن نتعرف على معالم التغير عند الآخرين ولكن لا نستطيع أن نبقى نراوح في الفراغ ننتظر مرة ما سوف يأتي ونحلم مرة أخرى أن الصحوة والانجذاب للعدل قد يصيب أصحاب الاستراتيجيات الكبرى، لم ندرك حتى الآن أن معايير سلوك الآخرين قائمة فيهم منبعثة من مصالحهم موسومة بثوابتهم، وقد يحدث أحياناً أن تأخذ بعض الإشارات العابرة يوصلها الغرب إلينا بقصد التضليل وإجهاض الموقف، في حين يبقى الغرب ثابتاً على قواعده ومساراته ويبقى الغرب ثابتاً أكثر في تبنيه للنسيج الصهيوني الذي يرى في الكيان الصهيوني حقاً مطلقاً حتى ولو قتل الملايين من البشر العرب، من حقنا الآن أن نصحو على النسخة الجديدة من السياسة الأميركية الراهنة عبر هذه الحدود.
|