تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رحل مكنمارا وبقيت آثاره التخريبية

موقع : voltaire -net27/7/2009
ترجمة
الأربعاء 5-8-2009م
ترجمة : دلال إبراهيم

قليل من الناس يعرفون من هو روبرت مكنمارا جيداً، والذي توفي في الثاني من شهر تموز الجاري، فهو لم يكن فقط وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة، خطط بحماسة شديدة لتدمير فيتنام من أجل ردعها من الانخراط في الكتلة الشيوعية،

بل إنه استلم مديراً للبنك الدولي، واستخدم القروض المصرفية كأداة من أجل بسط النفوذ الأميركي، وعلى هذا النحو يعتبر مهندس الديون الحالية لبلدان الجنوب، أي أنه أسهم ما بين أعوام الستينيات والثمانينات في صياغة صورة الاقتصاد العالمي الحالي.‏

ومن المهم إلى جانب التكريم الذي خصته به الحكومة الأميركية أن تعرض حانباً من حجم الأضرار والخراب الذي خلفه عمله المستند على ثلاثة عوامل (تجارة، حرب، ديون).‏

عمل مكنمارا وزيراً للدفاع في ظل عهد الرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون أي من عام 1961 - 1968، ولذلك فهو أحد المؤيدين الأشداء للعدوان الأميركي على فيتنام، والتي أطلق عليها اسم (حرب مكنمارا) وقد مارس ضغوطاً من أجل ارسال المزيد من القوات الأميركية إلى فيتنام وبلغ عددهم 500 ألف جندي والنتيجة سقوط مليون مقاوم فيتنامي، إضافة إلى 4 ملايين مدني ما بين عامي 1961 - 1975 وفيما بعد اعترف مكنمارا بأخطائه قائلاً (نحن أعضاء حكومة كينيدي وجونسون، الأطراف التي اتخذت قرار الحرب على فيتنام كنا على خطأ وخطأ جسيم) وأضاف (أنا لم أزر قط الهند الصينية، ولا أعرف شيئاً عن تاريخها ولغتها وثقافتها وقيمها، ولم أملك أدنى حس بذلك، وفيما يتعلق بفيتنام وجدنا أنفسنا في وضع قررنا فيه سياسة غزو أرض مخفية).‏

وفي عام 1968 عين مكنمارا رئيساً للبنك الدولي مواصلاً حملته المناهضة للشيوعية وعاش تلك التجربة بمثابة انبعاث جديد.‏

في ذلك العام، علق مكنمارا وكان لا يزال وزيراً للدفاع على موت الثائر تشي غيفارا بأنها ضربة قاسية لآمال الثوار الكوبيين ولكن الرد الوحيد هذا هو رد غير كاف لهذه المشكلة، وقد فسر قوله هذا بعد بضع سنين خلال اجتماع لحكام البنك الدولي أن خفض معدل الفقر هو شرط سياسي للبقاء في السلطة، وهذا التخفيض ليس من منطلق مبدئي، ولكن من جانب الحيطة والحذر.‏

وقد تميز عهده في رئاسة البنك الدولي من خلال تسريعه وتيرة القروض لاستخدامها كسلاح جيوبوليتيكي، وقد حض دول الجنوب على الاستدانة من أجل تمويل مشاريعهم التحديثية، وبهذا كان يدفع قدماً دول الجنوب للانصياع للشروط الدراكونية الملازمة لها، وقبولها بالتالي بإنشاء بنى تحتية ليست ذات جدوى وميزانية اجتماعية غير كافية، وسدود متداعية في مناخات مخربة، والطعم كان سيولة توضع في متناول يد حكومات دون اعتماد أي آلية لمكافحة الفساد وتحويل الأموال العامة ومقابل ذلك تخضع الحكومات لجميع مطالب البنك الدولي وقد منحت تلك القروض إبان الحرب الباردة من أجل مواجهة النفوذ السوفييتي ومختلف الحركات الوطنية المناهضة للامبريالية.‏

والقروض استخدمت من أجل دعم الحلفاء كما أنها من أجل اقصاء المناوئين المتمردين وقد اعترف الاقتصادي جوزيف سيتغلتز، الحائز على جائزة نوبل بأن هدف القروض كان إفساد الحكومات خلال الحرب الباردة.‏

وقد انتهج البنك بهدف تطبيق هذه السياسة تكتيكاً معمماً: الضغط على حكومات يسارية تواجه معارضة يمينية بغية إضعافها والتشجيع على استلام اليمين للسلطة وعلى سبيل المثال: حينما تم انتخاب سلفادور الليندي عام 1970 رئيساً لتشيلي قرر مكنمارا قطع التمويلات عن البلاد وحينما نجح بينوشيه في قلب نظام حكم الليندي عام 1973 وقاد حملة قمع واسعة ودموية تدخل مكنمارا من أجل دعم الديكتاتورية مادياً وكذلك الحال في الفيلبين في عهد فرديناند ماركوس، واندونيسيا في عهد سوهارتو، والذي ما إن قبض على السلطة، حتى سارعت أميركا وخلال ستة أيام على فتح خط اعتمادات بقيمة 8.2 ملايين دولار، وهذا ما فعلته مع البرازيل ومع رومانيا حينما بدأت تتحول عن الكتلة الشيوعية، أي باختصار إن البنك الدولي كان يدعم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وحتى الديكتاتوريات منها لتعزيز النفوذ الأميركي، وكذلك قدم قروضاً مشروطة إلى دول تحاول تطبيق سياسات قطيعة مع النموذج الاشتراكي المهيمن.‏

وكان يسعى مكنمارا إلى عرقلة تطور أي سياسات مستقلة، وإعادة دول إلى كنف القوى العظمى الصناعية، بعدما ابتعدوا عنها (مصر أيام عبد الناصر، غانا في عهد نكروما، جامايكا في عهد مانلي، واندونيسيا في عهد سوكارنو) وحينما يأبى أولئك الزعماء الانصياع لا تألو القوى العظمى جهداً لقلب نظامهم أو قتلهم واستبداله بنظام ديكتاتوري، أو التدخل عسكرياً، كما حدث في فيتنام وحينها يأتي البنك الدولي لإنقاذ النظام الديكتاتوري بضخ القروض السخية وغالباً ما تحول عن هدفها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية