تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


امرأة تغيّر حياة فان كوخ

ثقافة
الاربعاء5-8-2009م
عن لوفيغارو - دلال إبراهيم

في أحد صباحات شهر كانون الأول من عام 1988، ألقت الشرطة في منطقة آرلي القبض على رجل وجهه مدمى وقادته إلى المستشفى للعلاج،

ولم يكن هذا الرجل سوى آرنست فان كوخ، الذي أقدم على قطع أذنه اليسرى، بواسطة شفرة حلاقة، خلال أزمة نفسية انتابته. وحملت تلك الحادثة إشارة واضحة على الإصابة العقلية المؤكدة للفنان الهولندي المقيم في جنوب فرنسا، وكانت نذيرة لما سيقدم عليه بعدها بسبعة أشهر، حين أقدم على الانتحار بإطلاق الرصاص على نفسه. تلك هي القصة التي كانت متداولة.‏

وخلال أعوام الثلاثينيات، رسخ كل من جورج باتاي وأنطونين أرتو هذه الحادثة بصفتها قمة في التضحية ورفعوا من شأن الجنون كلازمة أساسية في الفن الحديث. ومن ثم أدلت السينما بدلوها، وصورت فيلماً عن هذا الحادث الأسود الذي جاء قبل عيد الميلاد بأربعة أيام، عام 1956، أخرجه مانسنت مينيللي بعنوان Lust Forlife، بطولة كيري دوغلاس. الذي مثل دور فان كوخ قاطع أذنه.‏

وحتى الآن لم يتحقق إجماع لدى جميع أولئك الذين غاصوا في المصادر القليلة والمتباينة حول تلك الحادثة. ولكن صدر مؤخراً كتاب في ألمانيا لمؤلفيه خانز كوفمان وريتا ويلديغانز من جامعة هامبورغ، ليزيد في طين الشكوك بلة.‏

في الكتاب يروي الكاتبان أن الفنان بول غوغان المعروف بصداقته المتوترة التي جمعته مع فان كوخ تقاسما خلالها الفقر والبؤس والإبداع الفني، الذي جعلهما من أغنى الأغنياء ولكن بعد وفاتهما، هو الذي حمل السيف (وكان سيافاً ماهراً) خلال خلاف نشب بينهما، واحتفظ فان كوخ بتلك الحقيقة من أجل حماية صديقه. وهذا يفسر العودة السريعة لغوغان إلى باريس بعد استجوابه القصير في مركز الشرطة، حيث بدا خلالها متماسكاً، على عكس فان كوخ الذي بدا منهاراً.‏

وبتلك المحاولة أفرغ الغرور الذي كان يشعر به، وهرب بعد أن ألقى سلاحه في نهر الرون، ولم يتم العثور عليه البتة. إذاً، يؤكد الكاتبان (أن ليس ثمة شفرة حلاقة في القصة). ولكن (ما هو أكيد- يستطردان القول- هو الرواية التي ساقها غوغان في ذكرياته السابقة واللاحقة التي صدرت عام 1903). وكانت الخلافات تنشب بينهما حول مواضيع فنية، إذ ومنذ وصوله إلى منزل فان كوخ، بدعوة منه، كثرت المشروعات وكلها للحفظ، وبدأ الجو يتوتر بينهما. فعلى سبيل المثال، اعتبر فان كوخ مشروعه في رسم لوحة جادة Alyscamps التي رسمها على حامل جوته، كان غوغان قد نصحه بها، ولم يكن فان كوخ معتاداً على ذلك، مشروعاً فاشلاً.‏

وكانت تلك أولى شرارات الغضب، ولحقتها شرارة أخرى، انفجرت في المحترف المشترك بينهما، ففي مساء يوم 23 كانون الأول، أي عشية حادثة قطع أذن فان كوخ واحتدم الخلاف بينهما حول رؤية كل منهما للفن، فان كوخ يرى أن الإبداع تلهمه الطبيعة، بينما صديقه غوغان يرى أن الخيال هو ملهم الإبداع، وهدد على أثرها غوغان بالرحيل، ووجد فان كوخ أن أحلامه قد انهارت في إبداع لوحة جديدة تحت شمس الجنوب. وهنا وقعت الواقعة، ليهرب غوغان إلى الفندق ليلاً، بينما عمد فان كوخ، بعدما وجد نفسه وحيداً إلى تغليف أذنه بورقة صحيفة، وأخذها إلى بائعة هوى يعرفها قبل أن يخلد إلى النوم، وحين علمت الشرطة بالحادثة عن طريق إحد الجيران أو من ماخور، حضرت إلى منزل فان كوخ لتجده نائماً في سريره الدامي، وهو نصف هامد.‏

واستعاد كوفمان وويلديغانز تقرير الشرطة، وبعض ما ورد في الصحف المحلية، وامعنوا التدقيق في الشهادات التي للأسف جاءت بعد الواقعة بفترة بعيدة، وعرضوا تبعاً لها، سبباً أقل ما نقول عنه بالتافه، حيث كان الشجار بين الفنانين يدور حول (راشيل) إحدى الغانيات التي كانا يلاحقانها إلى الماخور التي تعمل به على بعد /300/ متر من إقامتهما.‏

واعتصر الألم والندم قلب غوغان، الذي غادر بعد فترة قصيرة من انتحار صديقه، الذي لم يره بعد تلك الحادثة قط، إلى جزر تاهيتي عام 1903، ورسم هناك على أريكة (دوار شمس) فهل كانت تلك تحية مخفية لصديقه اللدود؟‏

(فرضيات كلها بحاجة إلى براهين) كما تؤكد نينازيمر‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية