في المحترف الأكاديمي
وقصة هناء مع الرسم أخذت تتوضح أكثر فأكثر في محترفات كلية الفنون الجميلة، التي تخرجت منها عام 2012 ، وفي معرضها الفردي الأول، الذي يأتي بعد عدة مشاركات في معارض جماعية وورشات عمل، وعملها في التصميم الغرافيكي، وتنظيمها لعدة معارض جماعية، تقدم مجموعة لوحات بقياسات مختلفة، تبرز علاقتها المباشرة وغير المباشرة بالواقع الحياتي المأساوي، ولا سيما في فترة الحرب المعلنة والمؤجلة .
ومن الناحية التقنية تتجه بشكل واضح لإبراز خشونة الملمس وكثافة السطوح وطبقات اللون . ويظهر هذا ليس في ألوانها فقط، وإنما في ملامح الوجوه وتعابير العيون ، وفي كل مواضيعها المطروحة ولاسيما المواضيع التي تعكس تخيلاتها البانورامية لعلاقة الموت بالحياة والانبعاث الجديد .
هكذا تبرز تداخلات لونية مختلفة في تحولاتها نحو أجواء التشكيل الانفعالي، القادم من طريقة تحريك اللون في كل الاتجاهات بأحدث وسائل وتقنيات العصر، كما تهتم بإظهار الضربات المتتابعة والمتجاورة والتي تظهر غنائية اللون، وتؤكد حيوية انفتاحها على جمالية اللوحة الفنية الحديثة، في تنويعاتها التعبيرية المتقاربة والمتداخلة مع التعبيرية الإنسانية البائسة . وتصل إلى حدود استخدام اللمسات والضربات والحركات وايقاعات اللون الأسود ودرجاته وتقسيماته الحركية والسكونية وصولاً إلى استخدام الألوان الممتزجة والصريحة، والموزعة في أحيان كثيرة على سطح اللوحة، دون إعطاء أهمية للوحة الواقعية ولألوان الوجه الحقيقية .
مرايا الواقع
وتطل أحلام ومشاعر ورؤى مرايا الواقع المشحون بالعنف والمرارة واليأس في لوحاتها كصدى لحالة وجدانية مفعمة بالأحاسيس الإنسانية العميقة، حيث تجسد إطلالة وجوه البؤساء، دون أن تتخلى عن فرحها الداخلي الكامن في مشاعر الرغبة بالخلاص، وانتزاع المشاعر القلقة من جلجلة الضياع، وهنا تتجاوز سوداوية الواقع معلنة، ولادة الأمل وسط الدمار والخراب وأشباح الموت ، وحين تظهر كثافة الملمحين الخير والشر وصراعهما، ينتصر الخير في النهاية، ويمنح الرموز فسحة إشراق وأمل وخلاص .
وفي بعض لوحاتها تصل إلى حدود التبسيط والتحوير، بإيقاعات اللون وتدرجاته حيث يغيب الخط ويندمج مع اللون العفوي والصارخ والوحشي في أحيان كثيرة . وفي إحدى لوحاتها يظهر القناع ، الذي يخفي خلفه الوجه الحقيقي، وهنا تبدو أكثر ارتباطاً بزيف الواقع القائم على الغدر والنفاق والخداع وراء قناع الصدق والوفاء و القيم والعدالة .
وهذه الطرق التعبيرية المتحررة من قيود الرسم الواقعي تجعل العناصر والأشكال تتجه لإبراز تداعيات الحالة الداخلية الانفعالية في لمسات اللون، وهذا يبعدها مسافات عن الحس التزييني ويجعل عين المشاهد تقع على بنى تشكيلية حديثة تعطي إيهامات بصرية بحضور سماكات لونية قريبة من تقنية استخدام عجائن اللون ، وبعبارة أخرى تعطي المشاهد انطباعاً بقدرتها على صياغة لوحة تعبيرية مرتبطة بالواقع المأساوي، وبجماليات الفن الحديث والمعاصر في آن واحد .
ألوان
وتشعبات البحث التشكيلي والتقني فرضت عليها استخدامات لونية معدنية (ذهبية وفضية وسواهما) وهذه الألوان الخطرة تحتاج كما هو معروف إلى خبرة تقنية وفنية. وهي مرتبطة بجوهر فنوننا الشعبية التي لازمت نهضة الفنون العربية، في فترة الازدهار والانتعاش الثقافي. إن الاهتمام برسم المواضيع الإنسانية يجعلها تختبر أبعادها ومضامينها وجمالياتها وتحررها من قيود مماثلة الشكل الواقعي التسجيلي.
هكذا تبدو المعالجات التشكيلية واللونية في لوحاتها الجديدة أكثر اتجاهاً نحو إبراز وحشية اللون على الوجوه والعناصر والمساحات الموزعة بعنف تعبيري واضح في أماكن متفرقة من اللوحة. كل ذلك يظهر في لمسات خطوطها وألوانها العفوية، والتي تصل أحياناً إلى حدود الوحشية، وهذا ليس سوى صدى لوحشية الواقع . ولاشك في أنها تعمل لإيجاد علاقة خاصة بين خط الرسم و اللون العفوي للوصول إلى لوحة تشكيلية حديثة، فهي تغوص في اللمسة العفوية باحثة في حركاتها عن عوالمها الداخلية، فتتحول الوجوه والخلفيات إلى اختصارات وتحويرات وصولاً الى التشكيل الخيالي السوريالي المقروء في احدى لوحاتها المعروضة .
وهذا يعني أن لوحاتها تحمل مواصفات البحث عن لغة فنية تعبيرية، بعيدة كل البعد عن الهاجس الاستهلاكي، أو الطروحات الصالونية الجاهزة، وبالتالي فهي تجاهر بالطروحات الثقافية الرافضة للنهج النموذجي الأكاديمي، وتسعى لإيجاد ملامح لتنويعات تعبيرية ذاتية، خارج إغراءات قولبة اللوحة في أطر تقليدية كلاسيكية أو واقعية .
حيث تعالج الوجوه بلمسات لونية جريئة ، وتضفي عليها انفعالية بارزة، تقودنا في النهاية وبشكل تلقائي نحو متاهات الصياغة المتحررة، التي تثيرها اللمسات اللونية العفوية، الباحثة عن فسحة أو لغة تعبيرية معاصرة، ومندمجة في الباطن بقوة مع مشاعر القلق والهلع والتوتر الموجود في هذا الزمن الصاخب بالانكسارات والمآسي والحروب المتعاقبة.