فهو طرح نظرية ( التصميم الذكي) مطالباً بتدريسها إلى جانب نظرية ( النشوءوالارتقاء) للعالم الطبيعي تشارلز دارين, وذلك في مختلف المراحل التعليمية. ويبدو توقيت إطلاق هذه النظرية مثيراً لكثير من التساؤلات. فهي تتزامن مع اشتداد المواجهات المسلحة في العراق, وتترافق مع ازدياد الأصوات المعارضة للاستقرار باحتلال العراق بعد فشل الذرائع التي ساقها الرئيس بوش وفريقه السياسي والعسكري, وفوق هذا وذاك فهي تأتي وسط ظروف داخلية أميركية صعبة إثر الكارثة البشرية والاقتصادية الناجمة عن إعصار كاترينا, وتداعيات إعصار ريتا, ذي الخسائر الأقل من سابقه.
ويجهد الرئيس بوش لأن يصبغ على تصرفاته شكلاً من القداسة والطهر الإيماني العميق, وذلك عبر ما نقلته محطة( البي بي سي) البريطانية الموصوفة بالحياد والموضوعية, إذ نقلت عنه قوله إنه تلقى أوامر من السماء بغزو العراق والقضاء على نظام صدام,الأمر الذي نفاه البيت الأبيض في وقت لاحق.
وبعيدا عن مدى صدقية مثل هذه التصريحات أو عدمها إلا أن المؤشرات والقرائن المصاحبة لتطور شكل أداء الرئيس الأميركي خلال فترة حكمه تعزز الإيمان بتلك الأوصاف.
فهو أعلن مواقف واضحة لا تقبل التأويل في قضية إيمانه الغيبي. وأوضح ذلك خلال مواقف كثيرة أهمها نظرية" إزاء الاجهاض", ورأيه في العلاقات الأسرية, وموقفه من حالات الشذوذ الجنسي التي تطبع المجتمع الأميركي بمواصفات خاصة, وفوقها جميعاً يتربع المعتقد التوراتي حول عودة المسيح إيذاناً بقيام الساعة وذلك بعد تمكين اليهود من السيطرة على فلسطين وما حولها, الأمر الذي لن يستقيم إلا في ظل غياب مواقع القوة في المنطقة العربية, وهو مايفسر المحاولات المستمرة لإضعاف أو إنهاء أي حالة استنهاضية في البلدان العربية.
ولاتترك إدارة بوش فرصة إلا وتحاول توظيفها في خدمة ايديولوجيتها الأصولية المحافظة, فضلاً عن اختلاق الحوادث, والافتراء على بعض الدول, ومنها سورية طبعاً, سعياً وراء إلصاق تهمة محددة, (الإرهاب) ضلوعاً أو دعماً أو تأييدا أو تناولاً إعلامياً.
ولربما يكون الإعلان عن إحباط عشر محاولات ( ارهابية) داخل الولايات المتحدة وخارجها كانت تعتزم القاعدة تنفيذها يدخل ضمن دائرة الفكرة ذاتها, خاصة وأنها سبقت خطاب الرئىس الاميركي والذي اعاد فيه ادعاءاته باتهام سورية وإيران بدعم الارهاب, وعدم دعم خطط الاحتلال الأميركي للحفاظ على الأمن في العراق, كما أكد على قناعته بجميع سياساته في المنطقة والعالم أجمع.ولم ينس أن يكيل للأصولية الإسلامية( بوصفها) تهديداً للأمن والاستقرار العالميين, وهو هنا يتناسى عن قصد التشابه الكبير ما بين الأصولية التي يحمل أفكارها, والأصولية التي يتهم الآخرين بها.
وفي غمرة الافكار والادعاءات المستجدة تغييب بعض الحقائق عن مهندسي السياسات الأميركية في هذه المرحلة ما يجعلهم يقعون في مكائد أفكارهم, فالإعلان عن إحباط عشر هجمات "إرهابية" منذ أحداث الحادي عشر من ايلول أمر يراد استغلاله للمضي قدماً في تنفيذ سياسات الملاحقة في أنحاء العالم.
ولكن ثمة رأي يبرز خطأ الإدارة الأميركية سواء كان هذا الإعلان صادقاً أو مفبركاً. وفي كلتا الحالتين هو يعكس الخلفية الفكرية والمعتقدية للمحافظين الجدد, أصحاب نظرية التصميم الذكي التي تعيد إلى الأذهان المرحلة النازية ونظرية صفاء العرق الآري وتفوقه على سائر الأعراق البشرية, واليوم يريد المحافظون الجدد وضع تصميم موحد للإنسان الجدير بالحياة, وهو يقع ضمن المواصفات المطلوبة والتي تخدم معتقداتهم..
ففي حالة كانت الهجمات قد جرى التخطيط لها, لكن الأجهزة الاستخباراتية الأميركية استطاعت إجهاضها في اللحظات الأخيرة قبل تنفيذها, فإن الأمر يشير الى فشل المساعي والجهود العسكرية والاستخباراتية والأميركية خلال السنوات الأربع الماضية في القضاء على تنظيم القاعدة, على الرغم من الحشد العسكري الكبير والدعم المالي لإدارة بوش من المجتمع الأميركي لتنفيذ تلك المهمة, التي لم تستطع أكبر قوة في العالم تنفيذها خلال أربع سنوات من الاستنفار الكامل, أي أن الإدارة ما زالت فاشلة في تحقيق ما وعدت به شعبها والعالم.
وفي الحالة الثانية باعتبار أن الخبر عار عن الصحة وإنما يراد به زيادة حجم الالتفاف الشعبي حول الرئىس وخططه, وإيهام الشعب الأميركي بأن ثمة خطرا يهدد به, ولكن السلطات مستيقظة لهذا الخطر, فإن الأمر يعني أن تنظيم القاعدة ما زال قويا وهو قادر على الإعداد لهجمات مماثلة لهجمات الحادي عشر من أيلول وتفجيرات مدريد ولندن وهو يشكل فشلا وضعفا في نهاية المطاف.
ومن هنا فإن عملية الاستنفار الأخيرة التي عاشتها نيويورك بعد الإعلان عن احتمال تعرض قطاراتها لعمليات ارهابية تدخل ضمن هذا السياق, وتمثل محاولة لكسب مواقف مؤيدة من شعب لا يدرك سبب تعرضه لتلك الهجمات.
ويبدو التناقض الساذج في تلك الممارسات, ففي الوقت الذي يعلن فيه مكتب التحقيقات الفيدرالية أن المعلومات عن احتمال تعرض القطارات لعمليات انتحارية لم تكن دقيقة فإن الرئيس بوش يبارك اجراءات محافظة المدينة رغم عدم تحققه من دقة المعلومات, فما الذي يحمله لنا الرئيس بوش غدا.