ولفت نظري مجاوري في الرتل المجاور ينتصب خلف مقود سيارته بشاربين كثّين, كل منهما ينتهي بخط رفيع مفتول منتصب..
أثار هذا الرجل دهشتي لأنني لم أر مثله إلا في الصور, وذكرتني هفوته إلى حب التميز والظهور بالموظفين في العهد العثماني وامتداداته عندما كان الموظف يحصل على لقب (أفندي) لمجرد انتمائه إلى وظيفة حكومية, وأن من يتسلق الحبال ينل لقب (بك) ومن يستمر في التسلق يفز بلقب (باشا).
كنا نسمع بمن حصل (من عالم الغيب) على شهادة جامعية من بلد عربي شقيق! وهو مستلق في بيته فنظن أن انجازه يضاف إلى عجائب الدنيا السبع. أما أعجوبة العجائب فهو خبر قرأته منذ أيام بمكان بارز في إحدى صحفنا أن موظفاً في حقل عملت به طويلاً ولا علاقة له به نال شهادة الدكتوراه من بلد أجنبي ( متخلف) في ثلاثة موضوعات مهمة يصلح كل منها أن يكون موضوعاً لأطروحة دكتوراة, ولا علم لي أن لهذا الشخص علاقة بصحافة أو كتابة أو أدب, وأقطع يدي إن كان يفهم في أي من هذه الموضوعات أكثر من ترديد العنوان.
إنني أعلم أن لجنة تعادل الشهادات تضع شروطاً للموافقة على الشهادة (اللقب) هي:
- أن يثبت من يحصل على الدكتوراه أنه أقام في البلد الذي منحه الشهادة إقامة متصلة لا تقل عن ثلاث سنوات.
- أن يقدم ملخصاً عن رسالته, وعن أداء الفحوص التي أجريت له.
-ولكن: أنبغ صاحبنا وهو في حدود الخمسين فقفز فوق النابغة الذبياني الذي يقال إنه نبغ في الأربعين وبدأ بنظم الشعر... أم تراه بيضة الديك التي وسم بها الكاتب السويدي الشهير (ستيفان زيفايج) (كازانوفا)?إن المسألة هنا تزيد على تفتيل الشاربين. إنها لقب علمي رفيع. أو ترى صاحبنا وحده بيضة الديك أم أنها ظاهرة- تلفت النظر- في بلدنا سورية التي لا يبيض الديك في سواها من بلاد الدنيا.. حتى كثرت ديكتنا ( البياضة) التي يستورد لها اللقب من دول أجنبية (متخلفة) أو من بعض الدول الصديقة?!
أليس من أعاجيبنا ما نسمعه عن بيضة ديك يستأجر كاتباً! أو يكلف موظفاً تحت سيطرته ليكتب له( أطروحة الدكتوراه) فيحوز المكلف (بكسر اللام) عليها, ويحوز المكلف(بفتح اللام) على حظوة كمركز وظيفي مرموق.. ونفاجأ ببيضة ديك جديدة جعلت صاحبها يرصع اسمه بلقب( دكتور) أو (د) دون أن يتحرك من وراء مكتبه إلا أياما لحضور حفل التخرج, ومسرحية الدفاع عن ( أطروحته) ?!
أوليس من أعاجيبنا عن بيضة ديك منحته جامعة دينية (خاصة) منغلقة على نفسها وغير معروفة شهادة دكتوراه استحدثتها من أجله وحده في موضوع لا علاقة له بالدين?!
وأن يقتنص تابع من أتباعه شهادة الدكتوراه وهو لا يحمل شهادة جامعية, ولا ثانوية, ولا حتى إعدادية ?!
أهو مرض يتفشى في أوساط مثقفينا في مجتمعنا السوري وحده فيتسابقون الواحد تلو الآخر إلى حب الظهور, مرض يزيد على تفتيل الشاربين, وغدا تعبيراً عن خواء نفسي و( منفخة) فارغة كقرع الطبول المثقوبة?!.