وإمكاناتهم المادية القليلة، فينزلون إلى ميدان العمل قبل نيل شهاداتهم، ليس من باب «حرق المراحل»، بل كي لا تتبخّر طموحاتهم بحجة القلّة.
العين بصيرة واليد قصيرة»، قول مأثور لا «يؤثّر» فيهم، ولا مكان بينهم لشعارات على طريقة «على قدر بساطك مدّ رجليك». فالمستقبل بالنسبة إليهم هو اليوم، الآن، وصناعته لا تكون إلا بالنضال وصعود السلّم درجة درجة والتعاطي مع المسؤوليات.
قسم منهم يعمل في مجالات تشبه تخصصاتهم، وقسم آخر يختارون مهناً لا تمتّ بصلة إلى ما يدرسونه، ولاسيما العمل في المطاعم والمقاهي (نادل)، بعدما سقط الحُرم الاجتماعي على هذه الوظيفة التي كانت في السابق تجعل ممتهنها يغرق في الخجل.
مع الشباب والطلاب كانت هذه الحوارات حول العمل والمسؤولية الكاملة عن الذات:
مبادرة شخصية
----------------
والآن هي منذ أن كانت في عمر الـ15 سنة، وسلمى حمادة تعمل إلى جانب دراستها في كلية الاقتصاد. حين كانت في المدرسة، كانت تلتزم بعمل في فترة بعد الظهر والليل، وسبق أن اضطلعت بوظيفة موظف استقبال. أما دافعها إلى العمل، فتعزوه بكل وضوح إلى «الحاجة المادية»، التي تقول إنها «ليست حاجة خاصة وشخصية فقط، بل هي تشمل مساعدة الأهل». نسألها عما إذا كان عملها بمبادرة ذاتية أم بدافع من الأهل؟ تقول: «جاء بمبادرة مني. ومَن يعمل ويشعر بالاستقلالية والسعادة، فلن يستطيع في ما بعد أن يترك وقته يذهب هباءً». وتضيف: «العمل في عمر صغير يؤدِّي إلى شخصية قوية وإلى استقلال في القرار. ذلك أنّ ثمَّة فارقاً كبيراً بين ملازمة المنزل وانتظار المصروف من الأبوين والعمل ومساعدة الأهل. ومن الطبيعي أن يقدّر أهلي موقفي».سلمى الآن في سنتها الجامعية الأخيرة في كلية الاقتصاد.
واثق
------
بدوره يعمل علي شعبان (22 عاماً) منذ كان في عمر 14 عاماً، وهو يدرس إدارة أعمال تعليم مفتوح جامعة تشرين وعليه أن يوفر قسط التسجيل لكامل الفصل أو السنة بأكملها. وحتى يتمكن من الوفاء بهذا الالتزام، فهو يعمل من الرابعة بعد الظهر حتى منتصف الليل كمندوب مبيعات لشركة خاصة، ويقول علي إنه تلقى التشجيع من زملائه في الجامعة، لكنهم في الوقت نفسه يرونه يتعب ما فيه الكفاية. وهو يعتز بالثقة التي تتميّز بها شخصيته «نتيجة الاتكال على الذات منذ عمر صغير».
تجربة
-------
يعمل سامر حسن منذ عمر صغير، لكن عمله هذا العام تضاعف ليفي بقسطه الجامعي، حيث يدرس الهندسة في جامعة خاصة. هو يعمل بين 5 و10 ساعات يومياً تبعاً لدوامه الجامعي. وحصيلة عمله تغطي نصف قسطه الجامعي تقريباً والنصف الآخر يدفعه الأهل. وهل يبقى لك شيء مما تنتجه؟ يجيب ضاحكاً: «قليل جدّاً». وهل تشعر بالفرح أم بالتعب؟ يجيب: «شيء طبيعي أن أتعب ولاسيما أني أسهر ليلاً للدراسة».
وعمَّا إذا كان يتمنّى لو كان طالباً مرتاحاً من همّ العمل؟ يقول: «بكل تأكيد، إذ كنت سأتفرّغ كلياً لمشاريع الجامعة. لكنّها تجربة تدرب على مسؤوليات الحياة المستقبلية». وإذ يؤكد أن والديه يتمنيان لو لم يعمل، ويقولان له: «أنت لست في حاجة إلى العمل»، يلفت إلى أن «وجودي بمفردي حيث إنّ عائلتي تعمل في الخارج، يجعلني أجد في العمل تسليتي، وإن كنت لست بحاجة إلى العمل».
واجب
-------
«أكيد أنا بحاجة لتحصيل مصروفي»، يقول كريم طالب اعلام الذي بدأ سنته الدراسية الجامعية الأولى. هو في العمل منذ سنة ونصف السنة، ويعمل كرجل أمن في بنك خاص، عندما نسأله عما إذا كان يحب العمل أم يقصده كواجب؟، يقول: «كنت في البدايات أحب العمل، لكنّه حالياً أصبح واجباً، إذ إن من الضروري أن أعمل». يضيف: «أنا أعمل بين 6 و8 ساعات يومياً بحسب برنامجي الدراسي. «كنت أتمنى لو وجدت عملاً في الإعلام ليفيدني في تطوير مهاراتي أكثر «يعمل كريم حالياً حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ويستيقظ في الثامنة صباحاً للذهاب إلى الجامعة.
ليس هواية
----------
يتابع طه دراسة الأدب الإنكليزي وهو تخصّصه الثاني بعد تخصصه في المعهد الفندقي. وهو في كل دراسته الجامعية وحتى قبلها يعمل ويدرس ويصرف على نفسه. عندما نسأله إن كان عمله ناتجاً عن حاجة؟ يقول: «لا أظن أن أحداً يعمل ويدرس 15 ساعة يومياً على سبيل الهواية». ويضيف: «الأمر يتعلق بالاعتماد على الذات أكثر مما هو نتيجة حاجة ماسة، فليس مستحباً أن يطلب شاب مصروفه من والده». ويتابع: «لقد اتّخذت قرار العمل منذ بدأت الدراسة في المعهد الفندقي الذي يحتاج إلى التجربة العملية إلى جانب النظرية». ويقول: «منذ بداية دراستي أعمل لأغطي مصاريفي كلّها، وأحتفظ بجزء يسير يساعدني في تغطية أيّام الإجازات الطويلة للدراسة،
وعما إذا كان يساعد عائلته، يقول: «ضمن الممكن. أعمل ليفرح إخوتي الأصغر مني سناً بما لم يتح لي الفرح به في طفولتي». نسأله: هل أنت فرح؟ يجيب: «بصراحة، نعم، وسيأتي اليوم الذي سأرتاح فيه».
شعور مع الأهل
----------------
أنهى أيمن عزّ الدين دراسة معهد المحاسبة والتمويل في دمشق لكنه يعمل لجمع المال من أجل أن يتمكن لاحقاً من دخول الجامعة. كما أن أيمن عمل طوال فترة دراسته، هو يعمل بحافز خاص وليس بدافع من والديه. ويقول: «من دون أن أتلقى إشارات من والديّ، أشعر بوضعهما وبمصاعب الحياة. وأحياناً أتمكن من مساعدتهما وأحياناً لا. وكوني أعمل فقط سبع ساعات يومياً نادلاً، فأنا في بحث عن عمل آخر وأتمنّى أن أجده في مجال تخصصي، علّني أتمكن من جمع مزيد من المال يريحني من العمل في سنتي الجامعية الأولى». أرى كثيرين لهم قدرة العلم من دون عمل. وأتمنّى لو أستطيع التفرغ لدراستي والتمتع بحياتي الجامعية. لكني أعمل وأنا على قناعة تامة بما أقوم به ولا أغار مطلقاً من الشباب الذين أخدمهم في المطعم. أعمل للوصول إلى هدفي وهو الجامعة».
مدرسة الحياة
-------------
وعندما نستفسر من طلال محمد طالب لغة عربية عن كيفية التوفيق بين العمل والدراسة؟ يقول: «لقد اعتدت هذا النمط من الحياة». يرفض طلال أن يكون هناك أي أمر يزعجه في الحياة. كذلك ينفي أن يكون يوماً قد تمنى أو رغب في الدراسة بعيداً عن العمل. ويقول: «لو كنت مثل الناس الذين أشاهدهم من دون مهام، لكنت بالتأكيد سأملُّ من حياتي». ويضيف: «لقد اعتدت أن يكون وقتي مثمراً منذ كنت يافعاً فكيف بي الآن وقد أصبحت شاباً؟». ويقول: «أنا أجد زملاء الجامعة من غير العاملين لا يتمتعون بأي إحساس بالمسؤولية»، لافتاً إلى أنّ «الحياة علمتني الكثير. وأشعر بقوة داخلية لا يمكن وصفها. كما أن والديّ فخوران بي».