ويمكن للأبوين أن يقوما بذلك حتى في الأيام الأولى للولادة فالرضيع يحس ويسمع ومن خلال التحدث معه تقوى العلاقة بين الطفل وأبويه وتتفتح مداركه وينمو وهو يحب الاستماع.
وكلامي ليس عبثاً أو مجرد كلام بل هو عن تجربة وواقع من خلال تربيتنا لابنتنا التي كان والدها يحكي لها الحكايا ويعد لها الأرقام ويقرأ عليها بعضاً من صور القرآن الصغيرة وهي في أشهرها الأولى.
حتى إن والدتي رحمها الله كانت تقول لي «من يشاهده يحسبه فقد عقله» ولكن عندما أدخلتها الحضانة قبل السنة الأولى من عمرها لأني موظفة، أحبت الحضانة وأحببتها مشرفاتها لفطنتها كما كن يقلن لي، وسبقت تلاميذ صفها في المرحلة الابتدائية وهي الأصغر سناً منهم وتفوقت في الإعدادية ونالت أعلى العلامات في الثانوية ودخلت كلية الطب وتخرجت منها وحصلت على الليسانس وتتابع للحصول على الماجستير.
ومما يؤكد أن الحكي جسر للطفل نحو التعلم وهو وسيلة مهمة تؤهله لدراسة صحية وسليمة والتعود على الكتاب والقراءة والقصص تغذي الذاكرة وتنمي الخيال لدى الطفل وتجعله يبتكر قصصه الخاصة ويبدع شخصيات جديدة، الأسلوب الذي اتبعته «معلمة مغربية» في تدريس الأطفال بعد أن لاحظت أن التلاميذ لا رغبة لهم في التعلم ولا يستوعبون المقررات الدراسية نظراً لجمودها وتعقيداتها فاهتدت إلى طريقة أحببتهم فيها بالدراسة واختارت أسلوب الحكي وطعمته بإيقاعات وأغان فكانت تسرد عليهم الدروس بطريقة حكائية وإيقاعية حتى قواعد اللغة من نحو وصرف بالفرنسية والعربية كانت تعلمهم إياها بتلك الطريقة وفعلاً نجحت في إثارة انتباههم واستقطابهم للفصل بعد ما كان غيابهم لافتاً.
فلماذاً لا تستعمل طريقة سرد الدروس بطريقة حكائية وإيقاعية رغم عدم تأهيل المعلمات والمعلمين للحكي كفن له أصول وقواعد.
لأن الحكي موهبة فطرية لكنها تحتاج إلى عناصر أخرى فالهمس في الحكي أي التحدث بصوت منخفض حتى يهدأ الأطفال لشد انتباههم وأيضاً لابد للقصص أن تكون قصيرة وتوظيف الحيوانات في الحكايا لأن الأطفال يحبون ذلك كثيراً.
أخيراً.. بما أن الهدف من التعليم هو استيعاب التلميذ للدرس والحصول على علامات جيدة فلماذا لا تعلم الفئة الأولى بالحضانة بالاستعانة بالعرائس والغناء وحكي الحكايات وتقليدالحيوانات.
فالمشرف أو المشرفة يجب أن يكون صاحب موهبة أولاً ثم يكون شخصاً حياً حيوياً بجانب النمطية في إيقاع الحكي ويكثر بين السرد فقرات من الغناء والموسيقا يكون خفيف الظل صاحب نكتة وسريع البديهة.
ومن بين أخلاقيات الحكي ألا يمرر الحاكي أو الحاكية رسائل مباشرة بل على الطفل أن يستنتج ويستخلص العبر.
والأهم من ذلك على الحاكي ألا ينقل فقط ما سبق أن روي بل ينتج ويعيد تشكيل وإبداع قصص أخرى بعد أن يضيف لمسته الحكائية الخاصة مع الاحتفاظ بتراثنا وثقافتنا وحضارتنا والتعريف بتقاليدنا وأعرافنا بجوانبها السلبية والإيجابية.